المبادرات الخاصة عنوان عام من الثقافة في البحرين

زكي الصدير
حمل العام 2016 الكثير من الأنشطة الثقافية والمسرحية والفنية في البحرين، حيث استطاع أن يقدّم للمكتبة العربية العديد من الروايات والمجموعات الشعرية والكتب النقدية، بالإضافة إلى المسرح والفنون الأدائية والفنية والغنائية التي تشهدها الصالة الثقافية ومركز الفنون وبيت الشعر ومركز الشيخ إبراهيم الخليفة وغيرها. ولعل أبرز الفعاليات الثقافية التي سيسدل بها الستار لهذا العام هي انطلاقة معرض الأيام الثقافي للكتاب الثالث والعشرين في 29 ديسمبر الجاري.
خارطة ضالة
يرى الناقد والكاتب البحريني، جعفر حسن، أن المشهد الثقافي البحريني في العام 2016 ما زال متنوعا في فعالياته الثقافية، غير أن المؤسسات الثقافية البحرينية لم تقدّم الأسماء الثقافية البحرينية في أنشطتها، واكتفت بأسماء مكرّرة نراها في كل سنة وفي كل فعالية.
يقول حسن “في عجالة نحاول أن نمسك ببعض أطراف المشهد الثقافي في البحرين، والذي سبق أن قلنا عنه إنه بات متنوعا على أصعدة عديدة، فمن حيث المؤسسات ظلت المؤسسة الرسمية المتمثلة بهيئة الثقافة تقود برنامجها المعتاد معبرة عن ثبات نهجها في ذلك من خلال التنوع في تلك الأنشطة، وتمايزت من الدعوات العامة إلى بيع بعض تذاكر أنشطتها، تلك الأنشطة التي غاب عن معظمها الأدباء البحرينيون ما عدا اسم واحد. بينما ظلت مؤسستان رسميتان أو شبه رسميتين تقودان أنشطتهما عبر ملتقى كانو الثقافي وأسرة الأدباء والكتاب البحرينية، التي لا تزال تحت سيطرة الجيل المؤسس وإن دعمت أنشطتها عناصر من الجيل الثاني، بينما يوحي المشهد العام بنوع من الغياب النوعي في معظم أنشطتهما”.
ويتابع الناقد “يبدو أن هناك حراكا أدبيا مستمرا لم تستطع احتواءه المؤسسات الأهلية وشبه الأهلية القديمة، مما دفع البعض إلى تشكيل مجموعات أدبية خارج تلك الأطر والتمدد إلى وسائل الاتصال الحديثة من فيسبوك إلى تويتر وغيرهما، والتي شهدت مع المجموعات المختلفة نشاطا محموماً قويا خلال فترة الخمود التي مرت على الساحة الأدبية والثقافية في السنوات الماضية. وأذكر منها جماعتي ‘مجاز‘ و‘وجود‘ على سبيل المثال لا الحصر. كما شاركت ذلك الحراك الأندية الأهلية عبر لجانها الثقافية وطرحت العديد من المسابقات الثقافية والأدبية”.
وعن المسرح البحريني خلال هذا العام يعلّق ضيفنا “استمرت المسارح في تقديم مسابقاتها السنوية لمسرح الريف وأوال ومسرح الصواري وغيرها، وحقيقة نجد أن المسرح عندنا في كفاح مرير من أجل كسب واستعادة جمهوره، ذلك الجمهور الذي تشكل خلال سنوات السبعينات ووصل إلى ذروته التي لم تستعد، وبدا كأن المسرح صار من ناحية نخبويا أو ابتعد عن ملامسة الحالة الاجتماعية التي تهم جمهوره التقليدي، ولم يستطع منتسبو المسرح التحول إلى الاحترافية التي تضمن دخلا وظلت في أفق العمل التطوعي”.
ويضيف “هناك إصرار من قبل هيئة الثقافة على إصدار مجلة البحرين الثقافية التي لم يتوقف إصدارها منذ أن انطلقت، وهي مستمرة في نهجها المتنوع عبر إيجاد نوع من التوازن بين الكتاب المحليين والعرب، بينما اختفت مجلة أسرة الأدباء والكتاب حتى وقت كتابة هذه الورقة، وكذلك مجلة جامعة البحرين منذ تحويلها إلى مجلة محكمة، بينما نشطت الإصدارات المتعددة الأدبية، وصارت تطبع من داخل وخارج البحرين، وقد أصدر عدد من الأدباء كتبهم على حسابهم الخاص، ونجد أن هناك تفاوتا على منحنى الجودة في الإصدارات، كان نصيب الضعف منها ليس بالقليل، كما طبعت هيئة الثقافة عددا من الإصدارات خلال العام الماضي”.
يختتم جعفر حسن حديثه بالقول “يبدو أن النهج القديم مازال مهيمنا على الصفحات الثقافية في الجرائد المحلية، فلا تزال تلك الصفحات تطبع في أقل الأعداد توزيعا خلال الأسبوع، وعادة ما تكون في أيام عطلة نهاية الأسبوع، وبينما هيمن على الصفحات نهج الفرد، ولم تعد تتبنى نهج الفريق الذي انبثق بحق مع انطلاق بعض الجرائد وتبعتها أخرى في فترات قديمة نسبيا، ولا تزال تلك الصفحات يضحى بها كليا أو جزئيا لصالح مساحة الإعلان وغيرها من المواد، وقد ساد الغياب النسبي للأديب البحريني عن تلك الصفحات، ولعل من اللافت إلى النظر مجموعة من القصص والقصص القصيرة جدا التي باتت تنشر على صفحات جريدة الوسط البحرينية، وإن شاركت صفحتها الثقافية أغلب الجرائد المحلية التي تحولت من صحافة ثقافية إلى نقل أخبار عن الأنشطة الثقافية المحلية ومن وكالات الأنباء كتغطية خبرية عن الأحداث الثقافية في الوطن العربي وخارجه”.
تفوق السرد
في حديثه مع “العرب” يذهب الشاعر البحريني أحمد رضي إلى أن السرد البحريني في عام 2016 تفوّق على الشعر، وهذا بخلاف العادة، غير أن الشعر بقي في منصته دون تراجع، فقد شهدت الساحة البحرينية عدة إصدارات مهمة خلال العام.
يقول رضي “عادة ما يتفوق الشعر كما ونوعا على السرد في الإصدارات البحرينية، لكن السرد أصبح أكثر نشاطا من ناحية الإصدارات في السنوات القليلة الفائتة ومنها سنة 2016، بغلبة كبيرة للروايات القصيرة التي يصدرها شباب بحرينيون من مختلف دور النشر العربية وفي غالبيتها هي أعمال أدبية أولى. لكن هذا لا يعني أن الإصدارات الشعرية في تراجع، لكنها لا تزداد مقارنة بالسرد. فمن بين الإصدارات الشعرية ‘لا يجمع الرذاذ أحد‘ لفاطمة التيتون، و‘سريعا يتحرك الألم‘ و‘خذ ملعقة صغيرة من الجنون‘ لأحمد العجمي، و‘إذا قلت لا أدري فلا تغضب‘ لحمدة خميس، و‘قراءات في شعر البحرين‘ لأنيسة منصور والناقد عبدالجليل العريض، و‘أخبئه كي لا ينبض‘ لفاطمة محسن، و‘ملحمة الغجر‘ لعلي الشرقاوي، و’أوسكار وايلد’ ترجمة محمد الخزاعي، و‘جنية أو كزهرة شمس‘ لإيمان سوار، وغيرها مثل ‘لن أقول شيئاً هذه المرة‘ وهو إصدار إلكتروني لمهدي سلمان”.
يتابع الشاعر في ذات الشأن “الجديد في القائمة هو الإصدارات الأولى لثلاث شاعرات هن بتول وسوار وفصيلة، اتخذن من قصيدة النثر وسيلة للكتابة. وهو ملمح عام، إذ تنزاح أغلب الإصدارات لقصيدة النثر ما عدا الإصدارات الشعرية الدينية التي مازالت محافظة على النمط الكلاسيكي. واللافت أيضا هو تزايد الإصدارات الشعرية الدينية في السنوات الأخيرة”. وفي ما يتعلق بالفعاليات الشعرية يضيف أحمد رضي “تحاول مجموعة من الشعراء تقديم الأمسيات الشعرية بشكل مختلف عن الطرق التقليدية المنبرية، مثلما حدث في فعالية ‘بينالي الشعر‘ للاحتفاء باليوم العالمي للشعر في مارس الماضي، حيث تضمنت الفعالية تشكيلا ورسما وسينوغرافيا وأعمالا تركيبية تستلهم الشعر. وكذلك في فعالية ‘كولاج من أجل السلام‘ في أكتوبر الماضي، حيث تضمنت الفعالية مشاهد تمثيلية أو ما يمكن أن نطلق عليه ‘مسرحة للشعر‘، حيث يتوزع الشعراء في القاعة ويخرجون من بين الجمهور لأداء مشهد تمثيلي بسيط أثناء إلقاء القصيدة مترافقا مع المؤثرات الصوتية والموسيقى واللعب على الإضاءة. والملمح الآخر للفعاليات هو مبادرة عدد من الشباب بتنظيم فعاليات شعرية بعضها تقليدي والآخر مبتكر كما في فعالية للشاعرة ملاك لطيف بتنظيم من مبادرة ‘بيت الثقافة‘ وإخراج الفنان حسين عبدعلي”.
متشظ لكنه يعمل
يبدأ القاص البحريني عبدالعزيز الموسوي حديثه مع العرب متسائلا عن العناصر المكوّنة للمشهد الثقافي البحريني، وعن مقوماته واعتماداته. ودون الخوض في الكثير من التدقيق والتحليل يرى الموسوي أن هناك عنصرا واحدا بالغ الأهمية وهو الفرد، سواء المبدع أو المثقف أو المهتم، ويعتمد حسب رأيه على جهتين هما: المؤسسات الرسمية -الأهلية منها والحكومية- المعنية بالشأن الثقافي، والجهة الثانية هي المبادرات التطوعية بما فيها المساندة المجتمعية.
يقول الموسوي “أجد أن العنصر الأهم، وهو المثقف والمبدع، ويضاف لهما القارئ والمهتم، قد حظي بظهور لافت هذا العام، وهو الجانب الإيجابي، لكن أيضا قد تشظى وتبعثر وإن كان البعض متمسكا بكيان ما أو بمبادرة ما، قد يبدو ذلك تطورا سلبيا، لكن بالإمعان في كل المجريات يعتبر الاستمرار إيجابيا بشكل أعمق من الظاهر المفتت والذي يشي الوضع بأنه سيستمر بالتبعثر حتى تستقر الأمور وإن كان هناك مجال للتنبؤ فإن باب إعادة التشكّل والتموضع لدى المثقف البحريني لم يغلق بعد، وسنشهد تغيرات في المواقف والأماكن. إلى ذلك الحين ما يمكن أن يكون بمثابة تعزية أن الحراك مستمر على كل المستويات”.
ويؤكد الموسوي في حديثه أن المحركات الثقافية لم تتغير كثيرا هذا العام ويعني بها المؤسسات الرسمية والمبادرات الثقافية. يقول “هيئة الثقافة مستمرة رغم تقليص الميزانيات، وهي تتدبر أمرها وتبرع في إيجاد سبل تضمن لها الحد الأدنى من النشاط. وهي تكافح أيضا لدعم أنشطتها المختلفة وبطبيعة الحال هذه الأنشطة لا تلبي جميع التخصصات المحلية. أما المؤسسات الأهلية فمستقرة على برامجها المضبوطة على وقع ميزانياتها المتواضعة، فلا أمل في كل هذه المؤسسات لعمل ملتقى ثقافي عربي واحد سواء على مستوى الشعر أو السرد أو الفكر”.
ويتابع الموسوي “ربما تجدر الإشارة إلى أن ظهور ‘مقهى مشق جاليري‘ قد أسهم بشكل مهم جدا هذا العام واستطاع بإمكانياته المتواضعة أن يتحلّى بسمعة جيدة وقبول جماهيري واسع رغم أن مشروع مشق يعتبر ربحيا، إلا أن صاحبه الفنان علي البزاز يفرد جانبا كبيرا للعمل التطوعي في مجال الثقافة والفنون، وهو بذلك يستحق الإشادة والدعم بالتعاون من الجهات المعنية إن كانت تعي هذا الدور الخلاّق الذي يسهل على الجميع وجود مشهد لائق بمجتمع متحضّر واع″. ويضيف “كما شهد هذا العام ظهور ‘مقهى قهوتي وكتابي‘ وهو مشروع بهامش ربحي ضئيل، نصلي له من أجل أن يحقق نجاحاً واستمرارا يستحقهما المثقف البحريني الذي لم يعد محصورا في نخبة قليلة بل اتسعت رقعته في هذه المساحة الصغيرة”.
وعن المبادرات الثقافية خلال العام 2016 يجد الموسوي أن المبادرات التي قطعت شوطا مثيرا للإعجاب، وعلى أكثر من صعيد، هي مبادرة “نادي اقرأ”. ويبين لماذا هذه المبادرة تستحق الإشادة؟ فهي ببساطة، كما يقول، مستمرة بثبات وتنوع في شتى المجالات لأنها مبادرة تتعاون مع الجميع، تشاركهم بمحبة، ولأنها تبتكر طريقتها الممكنة في ظل المستحيلات للاستمرار بشكل جدي وفعال. وأيضا يذكر ضيفنا مبادرة “وجود للثقافة والإبداع” التي حققت بشكل استثنائي هذا العام مشروعا يستحق الإشادة والتقدير عبر مبادرة القصة القصيرة جدا والذي اختتمته بتدشين كتابها الموسوم بـ”خطاطيف” بالتعاون مع دار فراديس للنشر والتوزيع، الإصدار الذي جمع أكثر من مئة كاتب وكاتبة.
يختتم الموسوي حديثه بالقول “ونحن نعبر هذا العام يجب أن نعرّج على رافد مهم ومساند للمشهد الثقافي، وهو ما يمثل المؤازرة المجتمعية، المتمثلة في الصحافة ونخص هنا صحيفة الوسط البحرينية، ليس لأنها تفرد صفحة شبه يومية للثقافة وملحقا أسبوعيا، ولا من أجل مواكبتها وتغطيتها للأنشطة الثقافية وإدراجها عبر مواقعها الافتراضية، بل من أجل الدور الجدير بالتقدير في أن تكون شريكا ومساهما فعّالا في رفد المشهد بإقامتها المسابقة الشهرية للقصة القصيرة، محليا وعربيا، حيث أسهمت في تشجيع المواهب وحرضتهم بشكل لافت، وهذا دور عجزت لسنوات مؤسساتنا عن القيام به. هذا إذن مشهدنا الثقافي متشظ لكنه يعمل وينتج”.
(العرب)