عزف مصري – أميركي في أوركسترا القاهرة

كريمان حرك

اختتمت أوركسترا القاهرة السيمفونية نشاطها في عام 2016 بحفلة شارك فيها عازف الكلارينيت الأميركي ديمتري أشكنازي، وعازفة الفلوت المصرية إيناس عبدالدايم.
وتندرج الحفلة التي قُدِّمت على المسرح الكبير في دار أوبرا القاهرة، ضمن حفلات موسيقى الحجرة التي لا تتطلب مشاركة أعضاء الأوركسترا والكورال جميعاً،
وتضمن برنامجها أعمالاً يندر تقديمها في الساحة المصرية، إضافة إلى أنها جمعت عازفَين بارعَين، هما أشكنازي وعبدالدايم، وكان ذلك من أهم عوامل استمتاع الجمهور بها. شارك العازفان في تقديم عمل لفرانتس دانتسي (1763 – 1826) بعنوان «سيمفونية كونشرتانت للفلوت والكلارينيت والأوركسترا» مصنف 41. وعلى المستوى العالمي، يعد هذا العمل من أشهر الأعمال التي تجمع بين هاتين الآلتين والأوركسترا السيمفونية. وهو ليس جديداً على الجمهور المصري، بل سبق أن عزف فى حزيران (يونيو) 2011، بمشاركة إيناس عبدالدايم وعازف الكلارينيت المصري محمد حمدي.
ومؤلف العمل ألماني بدأ حياته عازف تشيللو في أوركسترا مانهايم، ثم عازفاً في ميونيخ عام 1783 بديلاً لوالده الذي كان أيضاً عازفاً لهذه الآلة. عام 1807، تقلد منصباً موسيقياً رفيعاً في شتوتغارت تعرَّف من خلاله إلى المؤلف كارل ماريافون فيبر (1786 – 1827) الذي كان له أثر كبير في اتجاهه إلى التأليف وفهمه مساحات آلات النفخ التي تفوَّق فيبر في التعامل معها.
والعمل مكون من 3 حركات ويعد من الأعمال الثرية، خصوصاً عندما يكون العازفان المنفردان على درجة عالية من المهارة والتحكم فى الآلة وفهم تقنيات العمل. وتوافر ذلك تماماً في عبدالدايم وأشكنازي، فاستمتع الجمهور بحوار بديع بين الفلوت والكلارينيت في عدد من المقاطع، أبرزها في الحركة الثانية. كما كان هناك تبادل رائع بين الأوركسترا والآلتين في شكل مرح، كما في الحركة الثالثة.
ولعب العازفان بمصاحبة أوركسترالية أحياناً كاملة، وأحياناً بالتبادل مع آلات نفخ أخرى مثل «الكورنو»، كما أن هناك مصاحبة وترية بالنبر المتقطع، إضافة إلى عزف ثنائي مع متابعة هادئة وخفيفة من آلتي الفاغوت والأوبوا. وكان للكونترباص والتشيللو دور بارز في هذا العمل الذي يأخذك في رحلة جميلة تختتم بالحركة الثالثة التي تبدأ بعزف جماعي مع الأوركسترا، ومن ثم ينبري الفلوت بلحن جميل وترد عليه آلة الأوبوا التي تتبارى مع الكلارينيت في حوار يحتاج إلى مهارة وإحساس من العازفين اللذين أدهشا الحضور، خصوصاً أنهما استطاعا تحقيق ما أراده المؤلف من إظهار التلوين والتباين بين هاتين الآلتين.
فأحياناً يجعلهما متضادتين، وأحياناً أخرى تعزفان متجانستين، لكن من خلال صعوبات تقنية في الأداء، وهذا برز في «الكادينزا»، أي الأداء الحر والمنفرد الخاص بهما. وساعد على هذا من دون شك، المايسترو مينا ذكري الذي كان قادراً على تفسير فكر المؤلف، واستطاع أن يبرز مهارة عازفي هذا الفريق.
برنامج الحفلة عموماً، جاء كلاسيكياً ملتزماً تقاليد الحفلات السيمفونية، وهذا يّحسب للمايسترو ذكري، فكانت البداية مع افتتاحية أوبرا «باليه برومثيوس»، من المؤلفات المهمة لبيتهوفن (1770 – 1827)، وهي من الأعمال التي يندر عزفها في مصر. أما الختام، فكان مع جورج بيزيه (1838 – 1875) الذي يعرفه جمهور حفلات أوركسترا القاهرة السيمفونية جيداً. عزفت الأوركسترا لبيزيه سيمفونية «في سلم سي الكبير»، وتعد من مؤلفاته المبكرة، إذ كتبها وعمره 17 سنة عندما كان طالباً في كونسرفتوار باريس، وكان متأثراً فيها بأستاذه شارل جونو والعمل في إطار تقليدي، إذ جاء في أربع حركات، الأولى سريعة تعتمد على الإيقاع، وتبدأ بثلاث نغمات على غرار السيمفونية الخامسة لبيتهوفن.
والحركة الثانية بطيئة تتسم بالغنائية الرقيقة. أما الحركة الثالثة فجاءت راقصة. وتدرجت الحركة الختامية بين السرعة النشطة والغنائية والهدوء ومن ثم القفلة القوية. وعلى رغم كلاسيكية العمل، تجلت فيه ملامح الجانب التعبيري المميز للمؤلفات الفرنسية، وقدمه المايسترو ذكري في شكل جيد، فيما تألق عازفو الأوركسترا في المجموعات الآلية المختلفة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى