على عتبات البوح… قصيدة للدكتور عمار الجنيدي

خاص ( الجسرة )

مملكة من الغموض أنتِ :
تحدّقين في فضاءات العمر
فيلوح لك الغسقُ
طيفاً
غريب الملامح
والفجرُ
خنجراً
مكسوّاَ بالنجيع ..
مملكةٌ من الغموض أنتِ
محيــّرة مثل لغزٍ
تجمّدت عند حدوده الحلول .
فلا يروي ظمأ القصيدة إلاّك .
ولا يهيّج قطعان النشوة إلاّ صوتك.

وتظل عيناك تقرأ طالعي
تفتّشُ عن أسرار هزائمي المتكررة ،
ولا ترضى أن تبوح بغير الحيرة ..
أشتاقك
هاجساً يكبح جماح مواجعي..
أشتاقك
فجراً
يسرق ملامح نشوتي ،
وينبلج سحراً كلما غمر الفضول مدائني.
وأتوجّس من هذا الزمهرير المتحفز لنا ،
من هذا الحصار المضروب على عتبات البوح ؛
المتوكّىء على سنن الكلام
فيشمت برد كانون بي ؛
بكل ساعات الغروب التي بعثرها الجحود؛
فقد غدا الجود : في قواميس الغيم شيئاً مستحيلاً..
وأسافر في قفار الوهم
أشدّ الرحال : نحو تخوم المجهول
ممتطيا صهوة الكلام .
وأعلن :
يلزمك كثير من الكبرياء
كي تنحري ضعفك على مذابح طموحي .
يلزمك:
غرور
غجري الملامح كي تنكري بصماتي ؛
كي تقايضي تمرّدي بكل ما تملكين من زهو
ومكر
ودهاء
وفتنة ..
الآن
أنت على مرمى قبلة من غروري .
يتمطّى حلمك على مفارش البوح .
فأراه ضئيلاً
شقي المطالع
لا يقوى حتى على ردٍّ الطعنات ؛
لا يقدر أن يتناسى إلاّ القسوة ..
يطيب له أن يتمرّغ بالرماد؛
رماد الفجور واللهفة والأسى ..
وعندما يقبل الربيع مزهوّاَبفرحتي :
يحّرّضني: على المزيد من البهجة ،
على لجم جماح الضياع
يدفعني لاقتراف المزيد من القصائد،
لارتكاب المزيد من التوجّـس
يزرع في قبضتي
خنجراً
مسموم النصل
كي أطعن أمسي
وأطعن .. وأطعن
وأظلّ أطعن…
حتى يخرّّ غدي :
راكعاً
صريع الأنين
متوسلاً أمام قسوتي ..
لكنّـي أتحايل على قسوتي .
أرشوها .
أزيّن لها قبح الفصول الأخرى ،
فتذعن صاغرة ،
وتقبل حتى بمشروع ابتسامة ..
وأعود:
من رحلة الضياع
وعلى وجهي تعربد أشباح الهزيمة ..
أنثر كلمات ذابلة ..
وأدخل في المرآة .
أبحث عن صوتي المتفحّم
في حنجرة الآه:
فلا أجد
غير صرخات طفل حنطها الخوف..
أبحث عمن يخلصني منك ؛
من سهام لحظك التي تفتك بكل مواهبي
وتسرق مني حتى شقائي ..
أبحث عمن يردّ الّيّ تمرّدي؛
عمّن يقرأ طالعي
ويروي ظمأ القصيدة
فلا أجد إلاّك ..
إلاّك..


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى