ياني في «مهرجان بيبلوس».. المفاتيح الساحرة

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-

للسنة الثانية على التوالي يحيي الموسيقار اليوناني الأميركي حفلاً موسيقياً في إطار «مهرجانات بيبلوس الدولية»، فهو الوحيد الذي تكرر حضوره في هذا المهرجان لسنتين متتاليتين، وأقفلت حجوزات أمسيته على ستة آلاف مقعد. فنان يدمج المزاجين الغربي والشرقي في موسيقى معاصرة، ويعرف كيف ينقل أذننا من الموسيقى الهادئة والرقيقة والرومنسية إلى بعض الروك.

كانت حفلته أول أمس السبت رحلة بين موسيقى العالم وأعراقه، وليس غريباً عليه، هو المولود في أحضان الإرث الموسيقي اليوناني العريق، والمرتحل إلى العالم الجديد الأميركي في كل بهرجته وحركته السريعة المتطلعة إلى المستقبل.

طلة ياني على المسرح بثيابه البيـض تسـحبنا برفق إلى جو السلام، والتفاؤل الذي يدعـو إليه، فمن بين الجمل التي أطلقها لنا فواصل محببة بين مقطوعة وأخرى، تلك التي قال فيها: «أحب أن أقدم الموسيقى الإيـجابية، أما السلبيات فأفضل أن نتخلص منها». هكذا هو منذ البداية، فهو أطلق على ألبومه الفردي الأول عنوان «متفائل». يطل مع بسمـته الدائمة وحركاته الدمثة المحببة، ويستمر في التنقل بين البيانو والكيبوردز محيياً الفرقة والجمهور بكل الرشاقـة التي تثـبت نجومـيته. ينشر جواً من الفرح والانسجام ويجـعل الموسـيقى تتغلغل في داخلـك بتلـقائية وانسيابيـة ناعمة. لا يتصنع ولا يفتعل، إنما يستمر في تدفقه الموسيقي وملاطفته الجمهور.

يعرف ياني كيف يخاطب الجمهور بالموسيقى، مثلما يعرف كيف يدخل قلوبهم ببعض الجمل، إذ بدأ أمسيته بـ«مرحبا لبنان» و«أنا سعيد»، وأكمل مديحه للضيافة اللبنانية ووصف اللبنانيين بأنهم معروفون بحب الحـياة. وهـو لم ينجح في كسب جمهور الأمـسية وحسب إنما تميز بين أقرانه الغربيين بأنه استـطاع أن يكسب جمهوراً أكثر اختلافاً، الصيني والهندي مثلاً، وقد أقام جولة طويلة حضرها حوالى 250 مليوناً من البلدين، طاولت 160 مدينة، أثمرت ألبومه «إجلال» (Tribute). وكانت الموسيقى الصينية حاضرة في نهايات الأمسـية، مترافـقة مع صوت أوبرالي يقلد تموجـات الغناء والموسيقى الصينيين من مغنيتي الفرقة الأميركية لورين جيلوغوفيتش والكندية ليزا لافي، في مقطوعة حملت عنوان «البلبل» الذي يجعلنا ننتبه إلى أن أصابعه التي تلعب على مفاتيح الساحرة.

لا يدعك ياني تمل للحظة، أو تشرد بعيداً عن الهواء الذي حبس أنفاسك فيه، إن بحركته المسرحية اللطيفة والجاذبة، أو بتنوع موسيقاه التي تحرك الحاضرين وتشد أسماعهم وأبصارهم، بل أكثر من ذلك بإضفاء روح التحدي والبطولة من خلال تقديم أعضاء الفرقة بتفريدات تبرز حرفتهم العالية وشغفهم اللامحدود بالتعامل مع الآلة والموسيقى. وقد برز من بين العازفين الثلاثة عشر الذين رافقوا ياني عازف الكمان الأرميني سامفيل يارفينيان الذي فتن الجمهور بسحر أنغامه وتنقلاته الرشيقة، كذلك كان حوار كمانه مع عازفة الكمان الأميركية ماري سيمبسون، حيث ارتفع الجدل بينهما إلى تجليات حماسية رائعة. وشملت جولات التفريد مينغ فريمان في عزفه على الكيبوردز، كما شملت عازفي التشيلو والهارب والبايس والإيقاع… لكن الجولة توقفت طويلاً عند لاعب الدرامز الأميركي تشارلي أدامز، الذي حول زاويته إلى مسرح كوميدي، عندما بدأ بالكشف عن اسم لبنان على ظهر «تيشيرته»، ثم عندما ترك يداً تضرب على الآلات وثانية يشرب بها القهوة اللبنانية (كما وصفها)، وسرعته وحذاقته في اللعب.

يعرف ياني أنه مهما قدم من براعات الفرقة فإن نجمه يبقى ساطعاً، هو صاحب السيرة المتفردة، وصاحب الموهبة التي بدأت منذ سن السادسة على ضفاف المتوسط حين بدأ يعزف لأهله وأبناء قريته، واستمرت بتطور سريع، لتصل إلى ضفاف محيطات العالم وبحوره، وقد بات يعرف كيف يخاطب كل شعوب العالم بذلك المزيج الثقافي الموسيقي الذي نجح في إيصاله إلى عشاق الموسيقى، ولا عجب أن تكون قمة انتصاراته تمثلت، في اليونان، بالزخم الذي أعطاه لألبومه at the Acropolis، وقد بيع منه أكثر من سبعة ملايين نسخة وحصد أكثر من 35 جائزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى