تغيير الأبطال في مسلسلات الأجزاء يفقدها البريق

سارة محمد

الأجزاء الثانية والثالثة والرابعة، ليست ظاهرة جديدة على الدراما المصرية، وليست -كما يعتقد البعض- مجرد “موضة” نبعت من متابعة الأعمال الدرامية التركية التي تصدرت المشهد في السنوات العشر الأخيرة.

“دراما الأجزاء”، بدأت في مصر منذ بداية حقبة الثمانينات من القرن الماضي، بمجموعة من الأعمال الدينية، أشهرها سلسلة أجزاء مسلسلي “لا إله إلا الله”، و”القضاء في الإسلام”.

بعدها اتخذ هذا النوع منعطفا آخر، فانتشر من خلال مجموعة من الأعمال المحملة بالطابع الاجتماعي والسياسي والتاريخي، وكان أبرزها ما تم تقديمه في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، مثل مسلسلي “ليالي الحلمية”، و”رأفت الهجان”.

ومنذ ذلك الحين، صارت دراما الأجزاء جزءا أصيلا من ثقافة ومتعة المشاهد المصري والعربي، وتناولت موضوعات مختلفة المضمون والأفكار وطريقة الطرح، وتنوعت من عمل إلى آخر.

وبالرغم مما قد تحققه بعض تلك الأعمال من نجاحات، إلا أن الكثير منها أيضا قد يخسر نجاحه هذا في الأجزاء المتتالية، وغالبا ما يكمن السر الأساسي في هذا الفشل أو النجاح، في ارتباط المشاهد

بالممثل نجم العمل الذي يكون هو وحده القادر على تحقيق النجاح، حتى وإن كانت الأحداث أقل مستوى من الذي تم تقديمه في الجزء الأول.

الارتباط ببطل العمل يشكل ركنا أساسيا في ذاكرة المشاهد، خصوصا إذا كان السيناريست قد رسم شخصية ثرية، تسمح باستمرار الشغف لدى المتفرّج كي يواصل المتابعة، والدليل على ذلك أن عددا كبيرا من الشخصيات بقيت محفورة وحاضرة الذكر في رصيد أبطالها، رغم ما قدمه صانعو المسلسل من أعمال أخرى هامة.

نتحدث هنا -مثلا- عن الراحل محمود عبدالعزيز في مسلسل “رأفت الهجان”، أو يحيى الفخراني في شخصية “سليم باشا البدري”، وشريكه صلاح السعدني في دور “العُمدة سليمان غانم” في مسلسل “ليالي الحلمية”.
الفخراني والسعدني

نظرا لما يحققه أبطال الأعمال الدرامية من نجاحات جماهيرية، فإن المُشاهد يرفض استبدالهم بآخرين، كما يرفض اختفاءهم من المسلسل، وهو ما حدث في الجزء السادس من مسلسل “ليالي الحلمية”، والذي عرض في رمضان الماضي.

في هذا الجزء الجديد رفض بطلا العمل الرئيسان صلاح السعدني ويحيى الفخراني المشاركة، ومن ثم تعرض المسلسل لانتقادات عدة، وهو الأمر نفسه الذي حدث في جزئه الرابع، عندما حلّت الفنانة إلهام شاهين بديلة للفنانة آثار الحكيم التي كانت قدمت الأجزاء الثلاثة الأولى.

المتفرّج كان قد اعتاد على مشاهدة النجمين، آثار الحكيم والراحل ممدوح عبدالعليم، وقصة الحب الملتهبة بين “زهرة” و”علي البدري”، وكان النجمان قد ارتبطا معا في أعمال أخرى تلفزيونية وسينمائية، مثل مسلسل “الحب وأشياء أخرى” وفيلمي “بطل من ورق” و”المشاغبات والكابتن” ما جعل المشاهد أكثر تعلقا بظهورهما الدائم معا في “دويتو” فني ناجح.

ورغم أن تغيير الأبطال قد يكون أمرا مقبولا في الدراما الاجتماعية أو السياسية، حيث يكون الشرط في الإمتاع هو كفاءة التمثيل، إلا أنه يكون مرفوضا في الدراما الكوميدية التي تشترط أن يكون البديل متمتعا بنفس الروح المرحة وبخفة الظل التي تؤهله لتأدية المهمة.

وتلك الحقيقة المعروفة، هي ما جعل الفنان أحمد مكي يتراجع في الجزء الأخير من مسلسله “الكبير أوي” الذي حقق في أجزائه الأولى نجاحا مُدويا، مازال يحصده حتى الآن كلما أعيد عرضه.

التراجع جاء، عندما اعتذرت الفنانة دنيا سمير غانم عن المشاركة في العمل، بعد أن ارتبط نجاحه بوجودها مع شريكها أحمد مكي؛ إذ سبق أن قدما معا عددا من الأعمال السينمائية الناجحة، مثل “طير أنت” و”لا تراجع ولا استسلام”.

وحاول المؤلف تعويض غياب دنيا بجعل البطل يسافر إلى تركيا، ليدخل في قصة حب مع فتاة جديدة (قدمت دورها الوجه الجديد هبة عبدالعزيز)، إلا أن ذلك لم يعوض غياب شخصية “هدية” التي قدمتها دنيا سمير غانم، وهكذا وقوبل هذا الجزء بانتقادات حادة، كتبت نهايته، فغاب عن الشاشة في العام الماضي.

ومؤخرا، عادت البعض من الأعمال الدرامية تحمل وجوها جديدة غير تلك التي رآها المشاهد في الأجزاء الأولى، وعلى رأسها مسلسل “هبة رجل الغراب” الذي أحدث ضجة لدى عدد كبير من المشاهدين الذين تابعوه بشغف كبير، ورغم كونه عملا مُمصرا مأخوذًا من مسلسل أميركي، إلا أن بطلته إيمي سمير غانم -شقيقة دنيا- استطاعت أن تحقق من خلاله نجاحا كبيرا، بمجرد ظهورها بتركيبة شكلها القبيح على الشاشة.

النجاح الذي حققته إيمي في “هبة رجل الغراب” بجزأيه الأول والثاني مهّد لها الطريق لتكون بطلة أفلام الكوميديا في السينما، ما جعلها -بسبب ضيق الوقت- تتخلى عن “رِجل الغراب” في جزأيه الثالث والرابع، فحلّت محلها الفنانة ناهد السباعي ولم تلق القبول المنتظر، إذ أدت الدور بصورة مغايرة لإيمي ما صرف المشاهدين عن المسلسل.

وعلى العكس من ذلك، جاءت تجارب أخرى لأعمال كوميدية تم فيها تغيير البعض من الأبطال، فاستطاع “الجُدد” أن يلتحموا مع أدوارهم، كما حدث في مسلسل “راجل وست ستات”، عندما حلت الفنانة أنعام الجريتلي التي جسدت دور والدة البطل بديلة عن الراحلة زيزي مصطفى عقب وفاتها، وإن كان التغيير هنا فرعيا، إذ استمر البطل الرئيسي أشرف عبدالباقي موجودا، ما ضمن النجاح للمسلسل.

والأمر ذاته حدث مع الفنان محمد صبحي في مسلسل “عائلة ونيس” الذي تم تقديمه في سلسلة من الأجزاء عن حياة الأسرة المصرية، فرغم ما كان يحدث من تغييرات محدودة في الأبطال مع كل جزء، إلا أن بطله رفض الاستعاضة عن شخصية زوجته “مايسة” التي كانت تقدمها الفنانة الراحلة سعاد نصر بأخرى، حتى لا يخسر جماهيرية العمل.
غياب الكيمياء

الأساس في تعلق الجمهور ببطل العمل، هو تلك “الكيمياء” التي تحدث بينه وبين شركائه في المسلسل، خصوصا بين البطلين الرئيسيّين، لأنها هي السر الذي يكمن فيه نجاح العمل، وما يدلل على ذلك مثلا أن التوافق والانسجام بين يحيى الفخراني وصلاح السعدني في “ليالي الحلمية” لم يستطيعا تحقيقهما في الأعمال ذات الأجزاء التي قدمها كلا منهما منفردا، مثل “زيزينيا”، و”رجل من زمن العولمة”.

كما يجد المُشاهد أن شخصية البطل في المسلسل قد تقترب من شخصيته هو، فيلتحم بها ويتفاعل معها، وبالتالي إذا تم تغييره يحدث لديه ما يشبه الصدمة النفسية فينفر من هذا “البديل” الجديد الذي لا يجد نفسه فيه.

جانب آخر من أزمة تغيير الأبطال في الأعمال الدرامية ذات الأجزاء العديدة، يتمثل في أن هؤلاء الأبطال الجُدد يكونون قد حققوا نجاحا من قبل في أعمال أخرى، ومن ثم لن يقبلهم المُتفرج إذا أصبحوا “مجرد بديل” لآخرين، وهو ما جرى مع ناهد السباعي في “هبة رجل الغراب”، حيث حققت نجاحات عديدة في أعمال سابقة وضعتها على طريق الشهرة والنجاح.

وسيكون موسم رمضان المقبل فرصة للحكم على دراما الأجزاء الثانية التي اختفى أو تغير البعض من أبطالها، كما في مسلسلات، “الجماعة 2”، و”حدائق الشيطان 2”، فهل ستستمر في نجاحها الذي أحرزته في أجزائها الأولى، أم سيتركها المُشاهد ويتجه إلى أعمال أخرى؟.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى