الفن التفاعلي «يعالج» القاهرة كمدينة مزدحمة

محمد الصاوي

يحمل الفن تأويلات مختلفة لما يبدو واقعاً مسلّماً به، وهذا ما حصل للقاهرة أخيراً على «مسرح الفلكي» الذي عالج ازدحام المدينة ووجوهها المتباينة عبر فيـلم «ألف قاهرة وقاهرة» للفنان السويسري جاكوز سيرون، أعقبه عرض مسرحي تفاعلي لفرقة «الورشة».
قبل سنة، تقابل مؤسس فرقة الورشة الفنان حسن الجريتلي مع الفنان السويسري في جنيف، حيث كان الجريتلي يقدم عرضاً مسرحياً، ودار الحوار بينهما حول المدن المزدحمة عامة وغربتها الموحشة الناتجة من فقر في الاحتواء. المعنى ذاته دار مجدداً داخل «الفلكي»، يشاركهما فيه تلك المرة جمهور عريض من الشباب، وعلى رغم احتكاك السويسري بالمدينة المصرية المزدحمة «بصورة لا تطاق، بشوارع لا تحمل سوى العشوائية والصراخ»، فقد استطاع أن ينقل ما فيها من تناقض بين القبح والجمال، فجالت عدسته بين مساجدها العريقة وأزقتها التاريخية وعبقها التاريخي، مغلفاً كل ذلك بموسيقى إلكترونية مبهجة وصادمة معاً، سجلها مع فرقة «Afrogatage».
وعلى رغم ذلك، شعر بعض مشاهدي الفيلم بـ «كآبة» عبروا عنها خلال المناقشة، وهنا دافع الفنان السويسري عن رؤيته متسائلاً: «ما هو الجمال والقبح في نظر كل إنسان؟ لم أقصد إدانة القاهرة، إنما هي حالة ضياع وغربة للإنسان في المدن المزدحمة». وأضاف: «الفيلم عندي يميل إلى الجانب الانطباعي. أتجول في شوارع القاهرة فتقتحمني المشاهدات والحوادث ومن ثم يتعين علي استعادتها».
استطاع فريق الورشة تبديل الأجواء سريعاً معتمداً على المفردات ذاتها «القاهرة – شوارعها – زحامها»، فانتشر أعضاء الفرقة على خشبة المسرح وبين الجمهور مصدرين أصواتاً متداخلة من زقزقة عصافير، أذان الفجر الذي يؤديه أكثر من ممثل بطبقات صوتية متباينة مع الحفاظ على «الهارموني» بينهم. وبعد لحظات من الصمت، يعلو صوت نسائي يشدو بألحان الرائد داود حسني «يمامة بيضا»، ليتحول المسرح سريعاً إلى سوق كبيرة، في إشارة إلى سرعة وتيرة الحياة داخل المدينة المزدحمة.
أحاديث مرتفعة الصوت في الهواتف الجوالة لأشخاص عدة، نداءات لباعة جوالين يروجون لبضائعهم، ضحكات ترتفع من هنا أو هناك، عزف عود يشق الزحام، تشجيع كروي… هكذا تداخلت مشاهد العرض الذي دعا القائمون عليه الجمهور إلى المشاركة فيه والتفاعل معه، غير أن الجمهور الذي لم يعتد المشاركة في عمل كهذا اكتفى بالتشجيع اللفظي من مواقعه على كراسي المتفرجين.
واختُتم العرض بنوع من الصدمة عبر تناوله قضية خطيرة سجلت القاهرة فيها خلال الفترات الأخيرة نسباً مرتفعة، وهي ظاهرة «التحرش» عبر مشهد داخل مترو الأنفاق.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى