جورج عشي الباحث عن الجمال في كل صورة وصوت

نضال قوشحة
شاعر غنائي، لحّن له سيد مكاوي “يا غزال يا غزال” التي غناها المطرب فهد بلان، ولحّن من شعره سهيل عرفة أغنية “بعدك على بالي” وغناها محمد عبدالمطلب من مصر، كما قدم أغاني لحنها ملحم بركات وغناها ربيع الخولي وغسان صليبا من لبنان، وأغان أخريات لعدد من المغنين، منهم نعيم حمدي من سوريا. وكذلك كان موسيقيا تعلم العزف على آلة الكمان وكان ممن قدموا جهودا كبيرة في التأسيس للفرقة الوطنية السيمفونية السورية منذ عام 1960.
لكنه في الأشهر كان رساما، بل ومبدعا في التصوير الضوئي (الفوتوغرافي) حيث صور المئات من الصور، خاصة في البورتريه، التي وثقت طبيعة الحياة في دمشق غالبا بشوارعها وأحيائها وناسها وأماكنها، موظفين وباعة جوالين ومارة في الطرقات والأزقة. وهو من أسّس نادي التصوير الضوئي في سوريا ويحمل فيه العضوية رقم واحد.
جورج عشي، فنان، من ضهر صفرا، وهي قرية جبلية في ريف الساحل السوري، تنعم بالخضرة والهدوء، فيها نشأ وتدرّج. ثم رحل عنها ليتجول ويعمل في العديد من المدن السورية ومن ثم يستقر في دمشق.
مؤخراً، وخلال فعاليات المنتديات الثقافية في دمشق جرى تكريم جورج عشي، فأقام أصدقاؤه له معرضاً استعادياً ضم لوحات رسمها عبر ما يزيد عن الأربعين عاما. عن هذا المعرض يقول عشي لـ”العرب”، الناس في سوريا يعيشون في هذه المرحلة كثيرا من الضغط الذهني والعصبي نتيجة الأحداث السياسية والحربية القائمة، حتى خال البعض أن الحياة الثقافية والفنية في سوريا تعطلت، لذلك وجب على جميع المبدعين أن يعملوا بكل طاقتهم لإثبات العكس، ورسم الفرحة على وجوه الناس. إرادة الحياة أقوى من الجميع، والتشبث بها هو الأمل بالخلاص من الألم، ما قدمته في المعرض ينسجم مع هذا تماما. هو جهد لأصدقاء، أشكرهم، أتوا إليّ وطرحوا عليّ فكرة المعرض، وقاموا باختيار اللوحات وتجهيزها وتعليقها. هي مجموعة من اللوحات فيها الأيقونة، وهي مؤشر على ما كنت قد تعلمته سابقا في الكنيسة، وفيها الطربوش القديم الذي كان والدي يلبسه، وهو الزيّ الذي كنت وما أزال أحبه، وكذلك صور عن الناس والطبيعة وغير ذلك. أعمال هي ثمرة سنوات طوال من العمل، والمعرض يستعرض ما كنت قد رسمته خلالها”.
من جهة ثانية فإن الفنان في هاجسه الإبداعي متعدد الأوجه يمم شطر فن التصوير الضوئي. وهو مازال يحن إلى الطريقة القديمة فيه، حيث يتم تصوير المادة على الشريط الممغنط ثم التحميض فالطبع. يقول عن ذلك “أنا في حنين دائم لرائحة الكربون الذي كان يملأ مساحة الغرفة الناجم عن تفاعل المواد الكيميائية المختلفة، لم أنفر يوما من هذه الروائح، أشعر أحيانا أنني مدمن عليها وكأنها تسير في دمي، أتعامل مع الأسلوب الحديث في التصوير الرقمي، لكنني أحب التقليدي وأحنّ إليه دائما”.
لجورج عشي رأي حاد في مسألة المصور الضوئي الصحافي بحيث يعتبره مشاركا في الحدث، يقول “المصور الصحافي يجب أن يكون قارئا نهما للأخبار اليومية، وعندما يذهب لتغطية حدث ما عليه بناء على معرفته أن يحدد اللقطة المناسبة زمنيا ومكانيا، فهو ليس مجرد مصور لقطات لا يعرف محيطه، بل قناص صور بلحظتها، وهذه عملية تعود له أولا وليس للمحرر أو المخرج الصحافي”.
تسأل “العرب” عشي “قلت مرة، أنا إنسان يبحث عن الجمال قبل كل شيء، هل مازال في وسعنا أن نرى الجمال الآن في حياتنا؟”، يقول عشي “نعم، لذلك أمسك كاميرتي وأصور، طالما كانت الحياة مستمرة سيكون الجمال موجودا، وعلى المصور اقتناص اللحظة المناسبة، مواضع الجمال كثيرة، قد لا يكون ذلك بالمعنى السطحي للجمال، بل بالمعني الفني الإبداعي الموظف لإبراز حالة محددة بمفهومها الواضح، كما في لوحة الأم أو البائع الأعمى التي حصلت على جوائز عالمية. أهمها في معرض إنتربرس فوتو الدولي”.
تجدر الإشارة إلى أن الفنان جورج عشي من مواليد عام 1940 أتم دراسته الثانوية في مدارس الأرض المقدسة بحلب 1959 ثم حصل على دبلوم ديكور بامتياز من المدرسة الدولية في بيروت. وهو عضو الاتحاد العام للفنانين التشكيليين السوريين والاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب وكذلك عضو جمعية المؤلفين والملحنين والموزعين في باريس بصفة شاعر أغنية.
حاز على الجائزة الثانية لوزارة الثقافة السورية في مسابقة تأليف الأوبريت الغنائي “خيال الريح الأزرق” (1967) ونشر مجموعتين شعريتين باللهجة المحكية السورية “كلمتين زغار” (1964) و”الجوع والحب” (1970)، كما حاز على جائزة الشرف من اتحاد الصحافيين الألمان مع تكريم بدعوة لزيارة ألمانيا لمدة أسبوعين للمشاركة في مهرجان الشبيبة العالمي 1984.
درس مادة التصوير الضوئي في كل من معهدي الآثار والمتاحف والفنون التطبيقية، كان عضو اللجنة التحكيمية لمعرض الصورة الصحافية العالمي “أنتربرس فوتو” (موسكو 1985) وحاصل على الجائزة الأولى للمعرض السنوي العام لنادي التصوير الضوئي الحادي عشر (1991) والجائزة الذهبية الخاصة لاتحاد المصورين العرب (بغداد 2003).
(العرب)