القاهرة وأهلها … أمام جمهور فرنسي مستمتع

ندى الأزهري

يشهد على حيوية السينما المصرية في أيامنا هذه تزايد في أعداد أفلامها المعروضة بباريس، ليس في عروض خاصة وتظاهرات ومهرجانات فحسب، بل كذلك في الصالات الواسعة الانتشار وتلك المخصصة للمحاولات السينمائية الفنية والتجريبية «فن وتجربة» على حدّ سواء.
آخر هذه الأفلام كان «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد (راجع الحياة 16-12-2016) ومن بعده اليوم، «علي معزة وابراهيم» لشريف البنداري. فيلمان هما عمل أول في مجال السينما الروائية الطويلة على الأقلّ، لصاحبيهما تحضر فيهما مدينة القاهرة «شخصياً»، بكل عبثيتها وضجيجها وتعقيدها وعلاقتها مع سكانها وعلاقة هؤلاء بها ومشاعرهم المتناقضة تجاهها.
ولعل أول ما يمكن قوله عن فيلم «علي معزة وابراهيم» هو أنه يثير أيضاً مشاعر متعددة ومتناقضة. فقد بدت المشاهد الأولى منه طازجة ومنفتحة على احتمالات مشوّقة. بيد أنها ما لبثت أن سقطت في اعتيادية، إن كانت مخيبة لناحية التوقع فإنها لم تكن هكذا تماماً لجهة الإمتاع. وبعد أن جهّز المشاهد مزاجه لفيلم يحمل أفكاراً مبتكرة ويقدَّم بأسلوب جديد، انحرف مسار «على معزة وإبراهيم»، بعد توسع السيناريو وتشعبه، وتشتت الحكاية في اتجاهات عدة. وإن دارت الأحداث على نحو أو آخر حول الفكرة الاساسية الغريبة إلى أن بعثرتها في تفاصيل إضافية (منها مثلاً دوران البطلين في شوارع الاسكندرية لسبب مفاجئ تبين في ما بعد أنه للتعرف إلى الأب المجهول لأحدهما…)، ما أفقد محور الفيلم قوته وتميزه الأولين. إذ فضّل المخرج العودة إلى الواقع في ما يتعلق بشخصياته الغريبة، وقاد هذا الخلط بين حكاية لا معقولة وأخرى عادية، وهذا التنقل في النوع السينمائي بين فيلم طريق «رود موفي» ومغامرات، وفيلم محمّل بالرموز والخيال وفيلم ميلودرامي نفسي… ما أربك الفيلم في نهاية الأمر، بل أضعفه.

معزة وطنين
نحن في القاهرة وفي أحد أحيائها الشعبية حيث يقيم علي (علي صبحي) الذي يكنّ حباً جنونياً لندى… عنزته! بالطبع لا أحد يقدّر هذا الحب أو يتفهمه، لا سيما أمه التي تصطحبه إلى مُعالِج تقليدي لحالات كهذه ليعيد إليه صوابه. هناك يلتقي علي بمهندس الصوت ابراهيم (أحمد مجدي) المصاب هو الآخر بمرض غريب يتجلى بطنين عنيف في الأذن، يصيب صاحبه بهستيريا حين يهجم عليه ويعيق أي عيش طبيعي أو أدنى استمتاع بالحياة. يترافق الاثنان، اللذان حصلا بالطبع على وصفة العلاج ذاتها من «المشعوذ»، في رحلة شفائية من القاهرة إلى سيناء مروراً بالاسكندرية. هكذا تبدأ مغامراتهما على طريق السفر وتتناوب خلالها الأحداث الطريفة والمأساوية ومشاعر المرح والكآبة، والحزن والدعابة.
والحقيقة أن تنازعَ السيناريو بين الخيال والغرابة الممثلين بحبّ إحدى شخصيتيه لمعزة وإصابة الأخرى بطنين هستيري من ناحية، وكونه من ناحية أخرى، فيلماً عادياً حول رحلة استشفاء لشابين تصبح وسيلة لاكتشاف الذات، قد هبط بالفيلم من الأعالي. وجاءت النهاية التقليدية التي انتصر فيها الأخيار على الأشرار وأدركت كل شخصية سبب مرضها ومعاناتها الخفية التي قادت إلى أزماتها المستمرة. كأن معالجة غرابة الفكرة الرئيسية في الفيلم الآتية من غرابة أطوار الشخصيتين قد صعبت بسبب تعقيدها، فانتهى الأمر إلى تحويلها إلى قصة عادية تنتهي نهاية سعيدة.
لكن نقطة قوة الفيلم كانت في بطليه الرئيسيين وكان خيار أحدهما- وهو هنا «علي» كممثل غير معروف من قبل الجمهور- خيارا موفقا، على الرغم من مبالغته أحيانا في تجسيد دور المحب… للعنزة. كذلك كان موفقا اختيار الشخصية الأخرى التي هي على تناقض شكلي ومعنوي مع علي. أما المعزة فلم يكن دورها بأقل أهمية بكثير فقد كانت مطيعة وجميلة ومقنعة بأدائها! ولم تتمرد كثيراً على الأقل أمام المشاهدين!
كانت شخصيات الفيلم أقوى ما فيه بتعبيرها عن الارتباط بما تحب وعن مشاعر الصداقة في هذا المجتمع الذي ينبذ المختلفين، بتجسيدها تأثير هذه المدينة الساحرة والمتوترة على سكانها وأحيائها.
القاهرة بعد الثورة هي هنا أيضاً بطلة خلفية لغرابة البطلين وجنونهما. القاهرة التي لن تكف على مايبدو عن ان تصبح بطلة المزيد والمزيد من أفلام شبابها.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى