مهرجانات تونس الصيفية تواجه معادلة صعبة

سيرين الكافي
رتفع عدد المهرجانات الصيفية في تونس ليصل إلى ما يقرب من 20 مهرجانا في المحافظة الواحدة، مما أفضى إلى ارتفاع كبير في الكم مقابل نقص في القيمة الفنية، علاوة على أن بعض هذه المهرجانات لا تملك أي خصوصية، وأغلبها غارق في ما هو ترفيهي مما يلاقي رواجا على حساب القيمة.
الكثير من عروض هذه الفترة في تونس انتعشت بفسحة من الحرية، في ظلها برزت العديد من الأسئلة الجديدة، بخصوص ارتباط الثقافة بالمشهد السياسي، خاصة بعد خروجه من ثوب الدكتاتورية، ما ساهم في تحرر الممارسات الثقافية، ولو نسبيا حيث ما زال المسار الديمقراطي وجو الحرية ناشئين يتحسسان خطاهما.
وما زالت الثقافة تحاول الفكاك من خدمة النظام القائم، أو هذا ما سرى في اعتقاد البعض على الأقل منذ فترة. أسئلة كثيرة أفرزتها تغييرات كبرى في المجتمع التونسي ولعل أبرزها أي ثقافة نريد؟
في فترة يحتاج فيها التونسيون إلى متنفس ثقافي جديد، يتواصل العمل تقريبا بالأسلوب نفسه إذ لم تتسم ملامح موسم المهرجانات الصيفي لهذه السنة بأي جديد يذكر لا على مستوى إعادة الهيكلة ولا على مستوى مراجعة طرق العمل. كما تتسم أغلب الأعمال المقدمة بميلها الكلي إلى إرضاء الجماهير. وفي المقابل هناك عروض أخرى مسقطة على الجمهور.
إشكاليات كثيرة ومتراكمة منوطة بالثقافة في تونس، لعل أبرزها مقاومة الإرهاب، رغم ضعف الإنتاج الثقافي والمركزية الثقافية التي ما زالت لا تولي الجهات الأهمية التي تستحقها، رغم توجيه المسؤولين عن القطاع الثقافي والمبدعين البوصلة نحو خلق مشروع ثقافي جديد ينمي ملكة النقد ويساعد على تقوية جدار المناعة لدى المواطن ضد المشاريع التغريبية والظلامية.
بين إيجابيات ارتفاع عدد المهرجانات الصيفية وسلبيات تراجع قيمتها في تونس يبقى الأهم هو استرجاع المهرجانات لخصوصيتها وتأسيسها على رؤية ثقافية متوازنة ومتكاملة
وبالرغم من حضور ومواكبة المتفرجين للعروض الجماهيرية الكبرى، لم تحظ بعض الفعاليات والحفلات بحضور مكثّف، ويرد المتابعون ذلك إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، إضافة إلى أسباب أخرى سياسية، مثل ما حدث مع عرض الكوميدي الفرنسي التونسي ميشال بوجناح، هو أبرز دليل وقد تعالت أصوات مستنكرة للعرض ومطالبة بإلغائه لما عرف به الكوميدي من مساندة للاحتلال في أرض فلسطين، إلا أن العرض مر في الأخير، بحضور متواضع، وسط احتجاجات خارج مسرح قرطاج.
عروض أخرى وقع التضييق عليها إلى حد إلغائها قبل أن تظفر بشرف الظهور على المسرح العريق لقرطاج، مثل منع مغني الراب التونسي الملقب بـ”كلاي بي بي جي” والمعروف بفنه الناقد للسلطة، ويأتي هذا المنع بعد قرار النقابة الأساسية التابعة للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي بعدم تأمين حفلاته في بلاغ رسمي صادر عنها. وهو ما استغربه الكثيرون، حول تدخل المؤسسة الأمنية التي كان من المفروض عليها الاكتفاء بدور تأمين الحفلات لا التدخل في محتواها.
من جهة أخرى لعل خطأ تعيين المسؤولين عن المهرجانات في الدقائق الأخيرة، مثل ما حدث في مهرجان قرطاج الذي استقالت مديرته آمال موسى قبل أشهر قليلة من انعقاده، يشارك بقوة في سوء اختيار العروض والمشاركين لقلة خبرتهم وعدم إلمامهم بالذائقة العامة للمواطن واحتياجاته، بالإضافة إلى غياب استراتيجية واضحة تطور مستوى نوعية العروض المقدمة.
تضاف إلى ذلك معضلة التغييرات العديدة على رأس وزارة الثقافة في ظرف بضع سنوات (بعد الثورة الشعبية) تسبّبت بشكل مباشر في تعطيل الإصلاحات المنتظرة خاصة في ما يخصّ المهرجانات. وفي انتظار الإصلاحات الجوهرية الموعودة، يتواصل الجدل عند كلّ موسم جديد.
وقد نشبت هذا العام مشكلة بخصوص ما أطلق عليه غياب المشروع الثقافي الذي تبنى المهرجانات وفقا لمضامينه، إذ أن أغلب المهرجانات لم تكن سوى نسخ متكررة، وما يعرض في مهرجان ما يعاد في مهرجان آخر، لذا يطالب كثيرون بالتوجه نحو التخصص في مسالك فنية بعينها، مما يساهم في خلق أرضية تساعد على النهوض بالفنون التي تحتاجها الشعوب لتحقيق الرقي المطلوب.
وبين إيجابيات ارتفاع عدد المهرجانات الصيفية وسلبيات تراجع قيمتها في تونس يبقى الأهم هو استرجاع المهرجانات لخصوصيتها وتأسيسها على رؤية ثقافية متوازنة ومتكاملة، لكي يلقى الجمهور التونسي على اختلاف أطيافه ما يرقى إلى أن يكون مادة ثقافية، سواء من عروض ترفيهية أو عروض فنية وإبداعية، تونسية أو من خارج تونس.
إذ أن المطلوب من المهرجانات الصيفية التونسية كغيرها من المهرجانات في العالم، تحقيق المعادلة في العروض المقترحة، معادلة الجمع بين تحقيق العائدات المالية، ما يساهم في ضمان استمرارية المهرجانات، وفي نفس الوقت الحافظ على القيمة الفنية والصبغة الثقافية التي يراها كل مهرجان لنفسه.
(العرب)