تلك المرأة…قصة للكاتب السيد الزرقاني

خاص (الجسرة)
-1-
كانت تجلس على حافة الفراش في الصباح الباكر تحاول أن تنفض عن جسدها كسل الليل البارح ، دخلت إلى غرفة الأولاد لتيقظهم ليذهب كل منهم إلى حال سبيله ، كان المذياع يتلو آيات القرآن كما هو المعتاد ، أعدت الفطور للجميع بهمة ونشاط ، صارت في الفضاء السكني بمفردها ،…في آخر اليوم جلست تبكي علي ضحايا الوطن من الأقباط ، علي يد الإرهابين ، جلست تلملم أحزانها على وطن صار هدفا للمتآمرين ،تذكرت أن المذيع قد أعلن أمس أن السفارة الأمريكية كانت تحذر من عمل إرهابي ، إذا هي من دبرت وأعطت الأمر بقتل أبناء مصر الأبرياء من الأقباط مسحت الدموع ونهضت تستقبل أولادها
-2-
قالت خذني معك إلى تلك البلاد البعيدة عن هذا الجو الخانق المعربد بالأبخرة السامة والمواد الملتهبة والزحام الزاعق والجنون في المشاعر العابرة ،خذني معك إلى تلك القرية الوديعة الكائنة بين أحضان دلتا النيل حيث نبل المشاعر والابتسامة الصافية واليد الكريمة الحنونة ،إلى تلك النساء العجائز الذين يتريسون قبل الكلام ،كلماتهم حكمة ومشاعر دعاء صادق بالخير ،هناك النفوس البريئة ،بين سنابل القمح تحصده في فرح العرق المتسرب من أجساد سهرت لتلك اللحظة العظيمة انه فرح الحصاد والخير في بيوت تلك القرية
-3-
– هنا كانت تجلس علي ذات المقعد بذات المقهى بشارع جانبي متفرع من الشارع الرئيسي المؤدي إلى ميدان التحرير، كانت تتمني أن تسمع صوت الجماهير الهاتفة بالتحرر من عبودية الرجل الشرقي المستأسد علي أنوثتها الطاغية، كانت تشعر بأن مشاعره دفيئة حانية حين كان يضمها،كان الصمت حوارا داخليا يمتلك منها الروح والجسد ، كان العام من حولها بعيدا إلا من وجوده معها في لحظة سرحان مع النفس ، لم تكن تدرك أنه سيأتي إليها في ذات المقهى البسيط ، لم تسال عامل المقهى عنه لان قلبها كان دائما يحدثها سيأتي إليك يوما ما ،لأنك أصبحت جزء منه يحاوره كل يوم بين سطور رواية الحالية وربما القادمة أيضا ،تزينت قبل النزول ولم تبالي باي شيء اخر غير انها تريد فقط ان تراه في اقرب وقت ،كانت تمارس مع الوقت لعبة الضجر والغضب لانه يمر ببطيء شديد ،الانتظار يقتلها ويزيد من لهفة الاشتياق إلى النظر في عينيه ، كانت تراه في تلك الوجوه الكثيرة التي تمتطي ناصية الوقت علي المقهى المزدحم ،استفاقت علي صوت عامل المقهي ينادي عليها بان تأمره بأي مشروب تريده ، نظرت إليه وابتسمت معبرة عن اعتذار خفيف منها ، كان العامل يتأمل ملامحها ربما رآها من قبل علي ذات المقعد من فترة بعيدة ابتسم لها بعد أن سمع منها أنها تريد الليمون ربما يساعدها على افتراس الوقت المتبقي ،لم تخبره بالحضور وانما تريد ان تجعل اللقاء عاديا بلا أي مقدمات ، لم تفصح له برغبتها في هذا اللقاء كانت تريد فقط ان ترى تصرفه الطبيعي في تلك اللحظة العابرة بينهما ، بسرعة احضر عامل المقهي المشروب الذي طلبته منه ، ابتسمت مرة أخرى إليه شاكرة له الحضور والاهتمام برواد المقهي كانت تريد ان تسأله عن ذالك الصحفي الذي جأت خصيصا للقاء به ولكنها تراجعت ،
-4-
جلست تفكر في اي طريقة تستعيد العلاقة معه بعد الموقف السخيف منها معه اثناء الحفلة الاخيرة التي عزمته عليها وحرص هو علي الحضور رغم وقته الضيق جدا، شعور بالندم يسيطر علي كيانها الانثوي كلما تذكرت لمحة الحزن التي انتابته وهو يغادر القاعة، فهو من صنع منها نجمة في السماء و لم يتوان في تقديم اي مساعدة لها لانه احترم فيها الانسانة
،سيطرت عليها حالة من الحزن و التوتر والقلق فهو يسري منها مسري الدم في الشرايين …..كانت ومازالت تريد ان تتوغل في في كيانه و تسألت هل اتصل به مباشرة؟؟
- ربما هذا افضل من اي وسيط اخر من الاصدقاء ، خرجت إلى الشرفة و امسكت الهاتف ومازالت مترددة حتي الان
-5-
كانت تجلس
علي شاطيء البحر
تقف النوارس
في انتظار الحلم القادم
الوقت يطول عليها
والاشتياق نوعا من الجنون
هنا المرافيء تحتسي البرد
وتطلق الزفير
في فضاء الزمن المكبوت
تبكي النوارس
تبتسم النوارس
تستسلم لامواج الحنين
والانتظار
هنا من يتخذ القرار
-6-
تلك المرأة
تمسك في يديها مقصلة
تقصف نبضات قلبي
حين يعشق
زهور حياتي
حين يأتيني
الربيع
كنت ارسمها
تاجا
ازين به عمري
محرابا
لصلوات العشق
الماجن في روحي
كانت نورا
يلملم بقايا
الروح في ثوب
الحب
-7-
•
تلك المرأة
رسمت علي قلبي خنجر لو تحرك النبض
غرس فيه
و ظل ينزف
للأبد
-8-
جلست خلف مكتبها الوثير الفخم الذي كانت تتمني الوصول إلى هذا المنصب ….كان حلم اصبح حقيقة …….كانت مذيعة نابغة تجتهد في عملها نجحت في ترك تلك البصمة الاذاعية في شبكتها المحببة ” الشباب والرياضة ” ثم اصبحت رئيسة الان تتمتع بكل الصلحيات الادارية ولكنها انشغلت وتركت تاريخها الاذاعي يتضبع وسط هذا الضياع الاذاعي حيث انشغل كل مذيع في موقعه فقط بكيفية اداء وطيفة روتينية فقط ولا يهمه ما يبث للمواطن في وطن هو في اشد الاحتياج إلى اعلام متميز في تلك الفترة …..كانت اجهزة التكيف تمثل حاجزا كبيرا بينها وبين الاخرون خارج مكتبها ونسيت انها كانت في يوم من الايام مذيعة ناجحة ولكنها الان اصبحت مديرة فاشلة بعدماعم الفشل اركان هذا المبني الاذاعي العريق رحم الله من صنعوا مجدا لنا عبر الاذاعة المصرية ……هي مازالت تبحث عن الثراء من كثرة الشيكات التي توقع عليها كل يوم ؟
-9-
– حين كانت تجلس كل صباح ،تراقب خطواتي عند الخروج ، ترسم ابتسامة قلبية ،حين اقبل عليها ،وعندما اقبل يدها ، تدمع عينها فرحا ،كانت تعانقني بحب ، كانت نيلا فياضا في مشاعرها ، كانت تغرقني بسيل من الدعوات حتى اغيب عن عينيها ، لكني كنت حاضر في قلبها …………انها امي
-10-
هناك علي شاطيء مدينة الاسكندر
كانت تجلس
وتمد قدميها نحو البحر
الغارق
الصارخ
كانت تستقبل كل الاهات
دامعة
حزينة
بلا كلمات
كان يحتويها الف سؤال
وسؤال
شاردة النظرات
“تلك المرأة ”
11
كانت تجلس في شرفتها وتنظر إلى العالم الخارجي لها فتجد الناس اقزام في نظرها وتتركهم وتسبح بخيالها في تفاصيل الليلة الماضية في فندقها المفضل ……..حيث كان عامل الفندق يراها اكثر قزمية مما تتصور
-12—
لن تكون في يوم من الايام جزء من معادلات الرياضيات او كيماء الجسد ….حين جاءت وفتحت الحوار الداخلي بذات اللحظة التي نظرت انا في عينيها
كانت تحاور الروح قبل العقل والجسد كانت ربيعا حل بالمكان الذي كانت تعتاد الجلوس فيه ربما وحيدة او مع بعض الاصدقاء ……في تلك الليلة كان الحضور طاغيا بقوة لست ادري غير انها جاءت وحتي اللحظة لم تخرج
-13-
تلك المرأة
اخذت معها كل هواجس الخوف إلى المنفى الأبدي بعيد اعن الروح …..كانت يدها حفيف الريح حانية وقاسمة لكل المعاني الانسانية حين اللتقت العيون في مساء تلك الليلة الموعودة
كان الحضور قويا في قسمات الروح والجسد في شتنات الاضواء الخافته
كلمات مرت بأطيافها في مخيلات الروح والعقل سيطرت علي الكيان الكائن مابين الضلوع
كان صمتها وكلامها عنوان لحضور الزمن الماضي والاتي