لم أعثر على نخلة الله .. ل “محمد خلاد”

-محمد خلاد- خاص (الجسرة)
خرجْتُ من قَعْر الخَوَاء
أبحثُ في ضباب ِالسَّماء
عَنْ جِذْرِي
التقيْتُ بالرَّعدِ
وبِسَوَاقِي المطر
وأَسْرابٍ مِن طيورٍ مُهاجرة
وقفْتُ أستريح عند جِدع
سِنْدِيانة خضراء منغرسة
عَلَى مُنْحَنَى غَيْمة
كان الفراغ ومَتاهة ُالرُّوحِ
لم أعثُرْ على نخلة الله
ولا تَسَاقطَتْ عليَّ رُطَبٌ جَنِيَّة
لم أعثُرْ حتَّى على ظِلِّي
تدثَّرْتُ بِنِثَارِ مِنْ ريش
مُتَطايِرٍ فِي الهواء
تَحَوَّلتُ إلى دِيكٍ زَهِيِّ الألوان
وضعْتُ بيْضتِي الفَرِيدة
وألقَيْتُها من عَل ٍ
ِللأسماكِ الصغيرةِ الجائعة
طرْتُ نحو الضفاف الصخرية
بعيداً عن البحر
وشَفْراتِ المَحَار*
في عُش بين صخرتين
عَشِقْتُ بَجَعَةًً زَهْرِيَّة السَّاق
ألقت ْ بِوِشاحِها الشفيف
فبدَتْ خمريَّة الوجه
منتصبة الجيد
كَمْ كانَتْ فاتنة
علَّمَتْنِي الوقوفَ على ساق واحدة
والمشْيَ برشاقة على الماء
وتحت سقيفة ليل مُوَشَّى بالنجوم
مارسْنا الحُبَّ في العراء
خَلْفَ ستائر السَّحَر
نامتْ على صَدْري
ضَمَمْتُها بِحُنُو
منقارُها أصفرُ جميل
فهي لا تعرف أحْمرَ الشفاه
قبَّلتُهامَرَّاتٍ عديدة
ثم استرْخَيْتُ فوق بَطْنِها الرَّخْو
غَطَّتْني ببياضِها الثَّلْجِي
انْبَلج الفجْرُ وَ كنَّا نائمين
غابَ اللَّيْلُ في سكون
وتسلَّلَ خِلسةً مستغرباً عدم صياحي
ظلَّ النَّاسُ نياماً
والمؤمنون لم يُصَلُّوا
صباح هذا اليوم
وأنا اتُّهِمْتُ بالزَّنْدقة
كيف أَبِِيضُ المُستحيل
وأتنكّرُ لِسُلالتي
فلا أصيحُ في آخرِاللَّيل
شاكياً منفايَ و غربتي
جَرَّدُونِي من ريشي
ورَمَوْا بِي من جديد
في قعْرِ الخواء
اِرْتَاعتِ البَجعةُ البيضاء
فأطلقت تغريدةً شجِيَّة
كما لم تفْعلْ يوماً
ثم أفردت جناحَيْها مرتفعةً عاليا
فوق السحب الخَفِيضَة
ومالت إلى الأسفل نحو الشاطئ
تدور حول نفسها
في رقْصَةِ الموتِ الاخيرة
واختفتْ إلى الأبد
تحْتَ سطْحِ المَاء
ساد صَمْتٌ جنائزي عميق
ولَمْ تبْقَ غير ارتعاشةِ
خطواتي على الرمال
تذروها الرياح
——
* شفرات البحر: نوع من المحار على شكل قصب لها حوافي حادة مثل السكاكين ومن هنا جاءت تسميتها بالفرنسية couteaux de mer
الصورة بعدسة محمد خلاد أيضًا بعنوان: خطوات على الرِّمال