‘غرفة اللانهاية’ خيال علمي يتعكز على الذاكرة والشخصية الواحدة

طاهر علوان
الشخصيات التي تتشظى ذاكرتها وتتداخل عندها صور الماضي وذكريات الطفولة أيا كانت تتسع لها المعالجات الفيلمية في سينما الخيال العلمي، وهنا يمكن الولوج إلى ما يمكن النظر إليه على أنه باطني ومرتبط بلا وعي الشخصيات وخبراتها المختزنة، وفي فيلم “غرفة اللانهاية” للمخرج ترافيس ميلوي والذي يعرض في الصالات العالمية الآن، هناك مساحة واسعة من التعمّق في ذاكرة الشخصية ولا وعيها.
في زمان ومكان مجهولين يجد فرانك (الممثل كريستوفر سيرين كيلي) نفسه محتجزا وحيدا، وليس هناك من وجود بشري حوله سوى كاميرات مراقبة وكائن آلي يتكلم معه في حدود توفير احتياجاته الأساسية التي تديم له حياته، وخلال ذلك سوف نشاهد وجوها أخرى لفرانك غير التي نراها ظاهرة الآن، ولكنه في كل الأحوال ليس مغامرا كبيرا أو أنه يشكل تهديدا عالميا، لكن العالم يتغيّر من حوله وأن يجد نفسه أسيرا في زمان ومكان مجهول أمر يدعو للحيرة.
يتكرر بين مشاهد استذكارات فرانك مشهد صعقه أو إطلاق الرصاص عليه من مسافة قريبة، وبعدها يصبح فاقدا للوعي ليجد نفسه وهو ملقى في ذلك القبو أو في غرفة اللا نهاية، من هم أولئك الذين أجهزوا عليه؟ ولماذا فعلوا ذلك؟ وإلى أين سيمضي في ذاك الصراع؟
أسئلة لن تجد لها إجابة مباشرة، لكن في خلفية الأحداث هنالك صراعات سياسية وقوى استبداد، وهنالك ملاحقة لمنادين بحقوق الإنسان ومتغيّرات شتى يشهدها مجتمع انتقل إلى هباء ديستوبي وليس فرانك إلاّ أحد الضحايا، هو سجين يشبه ذلك النوع من سجناء الرأي وبالرغم من التكنولوجيا المتطورة إلاّ أنه في واقع الأمر ليس إلاّ فردا قابعا في سجن انفرادي.
واقع قاتم تماما لا بصيص أمل فيه يتشارك مع فرانك فيه سجناء آخرون لا يعلم عنهم شيئا، سوى أن أحدهم حاول الفرار من سجنه من دون جدوى، لكن ما يمنح الشخصية متنفّسا محدودا هو توظيف الذاكرة ومحاولة لملمة ما تشظّى منها، فتم الاشتغال كثيرا على هذه الثمية من قبل المخرج ميلوي تحديدا، ومن ذلك مثلا المشاهد المتكررة للقاء فرانك مع غابي (الممثلة كاسندرا كلارك)، فهي فتاة تعمل في مقهى تتوثق علاقتها بفرانك فتتكرر بشكل مشوّش نفس المشاهد التي جمعتهما معا الى درجة يتشكّك فرانك في صدقيّة تلك الذكريات أم أنها مجرّد خداع ذهني؟
يبنى السرد الفيلمي تحديدا على ثيمة ثنائية الواقعي المعيش مقابل المتخيّل الوهمي، وتندرج مشاهد فرانك وصديقته تحت هذا النوع من المعالجة، وواقعيا كان بمثابة خروج ضروري من رتابة الأحداث.
ويفتقد الفيلم بمجمله العام لخطوط سرد متعددة ووجهات نظر متنوعة، وهو ما أشارت إليه قراءات نقديّة متعددة نشرتها صحيفة لوس أنجلوس تايمز ومجلة فيراييتي بالأخص، وبذلك دخل في نوع من الرتابة والتكرار في متابعة الشخصية المحاصرة لا أكثر، وما عدا ذلك من ذكريات لم تقوَ على تشكيل خط سردي واضح، ولا أضافت حبكات ثانوية دفعت بالأحداث إلى تصعيد درامي أو مفاجآت غير متوقعة.
وفي كل الأحوال نحن أمام نوع من أفلام الخيال العلمي قليل التكلفة، وواضح أن فيه نوعا من التحدّي في استخدام الشخصية الواحدة والمكان الواحد لتقديم دراما خيالية لا يقف الحوار المجرد عائقا أمام عرضها، لكن مقدار النجاح في هذا التحدي يتباين بحسب أذواق النقاد والمتلقين، رغم ما يلاحظ بالمجمل أن الفيلم في معالجته وبنائه السردي وقع في مطب الإطالة والرتابة في تقديم الأحداث ولم يستند إلى تحوّلات درامية ذات أهمية استثنائية، وذلك خلل واضح في المسار الفيلمي، مع أن هنالك استخداما ملفتا لزوايا التصوير والمونتاج سعى من خلالها المخرج إلى نوع من التنويع البصري للحد من رتابة وثقل الحوار الذي احتل مساحة أغلب المشاهد الفيلمية.
فكرة الناجي الوحيد هي مسك ختام الفيلم في عرض لتغطيات الصحافة للعثور على ذلك الرجل الخارج توّا من القبو بعد سنتين من الاختفاء، والفضل لبقائه حيا يعود إلى النظام الرقمي والأمني المحكم الذي كان يعمل بطاقة الرياح، وقد ساعده على البقاء حيّا من خلال برمجة حياته اليومية، فضلا عن السهر على طعامه وشرابه، وكأن موقع الاختفاء هو أحد مواقع انتهاك حقوق الإنسان الذي يتحمّل مسؤوليّته أحد رؤساء أميركا.
تلك هي خلاصة الفبركة التي حاول المخرج ترافيس ميلوي أن يختم بها فيلمه، مزيج من المبرّرات وإدماج في الرقمنة والطاقة النظيفة وحقوق الإنسان في مقابل قصة من قصص الخيال العلمي التي لسنا متأكدين إلى أي مدى تشبع اهتمامات جمهور عريض مهتمّ بهذا النوع الفيلمي.
(العرب)