‘رئيس التحرير’ على مشرحة مختبر سرديات الأردن

على أصداء ما يجري في معرض عمان الدولي للكتاب و في نادي الأردن، اقتنص مختبر سرديات الأردني فرصة الاحتفاء برواية الكاتب والشاعر المصري أحمد فضل شبلول، القادم من بياض ملح الاسكندرية ليعانق تلوينات الصخر في عمان القديمة.

وشارك في اللقاء الذي أداره وقدمه الزميل مخلد بركات وبمشاركة الناقدة هيا صالح والكاتب نازك ضمرة والروائي أحمد الطراونة.

وعن ماهية “رئيس التحرير” للروائي شبلول قالت هيا صالح “بحذر مدروس يجول بنا الروائي والكاتب المصري أحمد فضل شبلول في روايته في البيت الداخلي (المطبخ) الخاص بعالم المطبوعات الصحفية، والذي يكون رأس الهرم فيه رئيس التحرير، ويعرج بنا الروائي على تفاصيل تبدو ذاتية داخلية مرة ترتبط أحياناً بالعائلة والأصدقاء والزملاء، وأخرى خارجية ترتبط برصد التحولات في المجتمع، وبشكل خاص تلك المنطقة التي تجمع بين الإسكندرية المكان الأم للبطل واسمه يوسف عبد العزيز وبين الخليج الذي سافر البطل للعمل في إحدى المجلات الصادرة فيه”.

ولفتت صالح “في فلك هذين العالمين الداخلي والخارجي، يدور حول بطل الرواية أو الشخصية المحورية فيها عددٌ من الشخصيات منها:درّية إبراهيم الفتاة اليسارية التي يُزَجّ بها في السجن، ومنى فارس الفتاة خريجة الصحافة والمنفتحة على الغرب والتي تحب الفن بكل أشكاله، وعلياء الزغبي الفتاة اللبنانية التي تعمل سكرتيرة في المجلة التي تعاقَد البطل للعمل معها، وأيمن شرف زميل البطل في المجلة وهو رجل لا يفتأ يدبّر المكائد ليقع في حبالها، ورئيس التحرير الذي بدا شخصية ضعيفة ومهزوزة كل ما يهمّه هو الحفاظ على منصبه، والجوهرة الأرملة التي تنشأ بينها وبين يوسف علاقة غرامية، وعامل البوفيه الهندي سوريش وعلي بهادر مخرج صفحات المجلة وهو لبناني شيعي ظل يحلم بشراء شقة في بيروت تجمعه بزوجته، لكنه مات دون أن يحقق حلمه”.

وقالت “تركز الرواية عبر الفصل الخاص بـ’علي بهادر’ على موضوع التعايش والتسامح وتقبّل الآخر مهما كان دينه أو مذهبه أو توجهه، حيث أن ‘يوسف’ المقرب من ‘علي’ لم يكن يعرف أنه شيعي قبل وفاته، وحتى لو عرف بذلك، فلن يغيّر هذا من طبيعة العلاقة بينهما، فالأساس هو انتماؤنا إلى الإنسانية وشراكتُنا تحت ظلالها”.

من جهته قال الكاتب الشاعر نازك ضمرة “أننا أمام كاتب متمرس أدخل الكثير التجريب بجرأة غير مألوفة إلا نادرا في هذه الرواية، وأجمع كل من قرأها على نجاح الأديب أحمد شبلول في مغامراته الكتابية، بس خلينا نحكيها بالعامية، مانعرفش أن كان حصل شيء من كل ماورد في الرواية، أو أنها فنتازيا أواخر سني الشباب.. لكن في نظري كقارئ استطاع شبلول أن ينقلني إلى عوالمه المثيرة، وبقصص قصيرة ثلاثة، بطلها تلك القصص هو يوسف عبد العزيز، وين شاعرنا يوسف… وقد نقبل أن ندخلها في دنيا الحداثة، ومع ما رافقها من مرور على حركات وطنية ومغامرات ثم ومعاملات الحب وتطورها المتسارع، والتي لم لم نعتد عليها في أدب الرجال، طبعا كلنا نعرف جرأة بعضهن في تعمد البوح عن العشق وملحقاته في الأدب، ومثالهن أحلام مستغانمي، ومن تبعنها وكثرن في السوق الأدبية، لكن يجب أن لا ننسى مشاعر هذا الإنسان الوطنية والمشاعر القومية والوحدوية والتأريخية وحتى حين زار بلدنا الأردن وأعجب بالبتراء درة الأردن التي نباهي بها الأمم، سامحنا يا فارسنا شبلول، أن ننحرف قليلا، لنتحدث لدقيقة عن (بترائنا)”.

وأكد ضمرة “نفاجأ أننا أمام كاتب عريق عرف فنون السرد وأساليبه، وتجلى في وصف عميق صادق وسرد أدبي راق بأسلوب متحرر، وبلسان عربي فصيح على لسان بطل القصة يوسف عبد العزيز بحميمية وبجرأة لم نعهدها من قبل من أديب عربي معروف في آدب العرب. ففي حكاية رئيس التحرير يمتزج الحلم بالواقع، ويصعب عليك فصلهما او تصديق ما يجري وصفه بدقة وأناقة، فيه ثقة بالنفس، وتسلسل بالوصول لما يجول في عقل البطل بإنسانية وعاطفة صادقة، إنسان فتح عينيه على الأدب والكتابة منذ طفولته، حالما بأنه سيصبح رئيس تحرير لمجلة أو صحيفة ما لم ترق لي شبه الجملة المضافة إلى اسم الرواية على الغلاف الخارجي، إذ كتب ‘أهواء السيرة الذاتية’، فهنا كشف وحرص من الكاتب على إشهار نفسه وجيمسبونديته، ثم إنها قللت من حيرة القارئ وذهوله أثناء قراءة الرواية، فلولا هذه الكلمات الثلاث، لانشغل القارئ بمعرفة من هو ذلك البطل الجبار، اللبق والذكي والمحظوظ، الذي استطاع ان يشق الحجب ويعتم وينحّي التراث والتقاليد ليكون هو سيدها والمشارك في أجوائها عابثاً بقلوب الصبايا والحسان، ثم والتحليق في عتمة المال وكنوزه، وفي أجواء من ضباب الواقع الرخو والرخيّ ودهاليزه، ثم ما هي مواصفات ذلك البطل الداخلية والنفسية والخارجية والتربوية؟؟”.

وفي مداخلته قال الكاتب أحمد الطراونة عن شبلول أنه الذي جاء من الشعر ومواطنه وعوالمه إلى عوالم الرواية ومفاتنها ومغرياتها هو بالأصل صحفي تمرس الكتابة وتدرب عليها من خلال عمله اليومي لتكون وقوده الفكري ومرجل تجاربه التي انضجت وعيه وقدرته على خوض عوالم الشعر اولا والرواية لاحقا، كغيره من الكتاب والصحفيين الذين جاءوا من بلاط صاحبة الجلالة الى صعوبات ومرتقيات السرد التي تحتاج إلى ثقافة عالية وتجارب ناضجة وقدرات سردية فارقة قد تكون الأدوات الصحفية واحدة منها لكنها بالتأكيد ليست كلها.

بعد عمر من الشعر أنجز خلاله شبلول العديد من الدوواين، يعود ليكتب سردية سيرية لشخص لا يمكن لقارئ الرواية إلا أن يؤكد أن جزءا مهما من سيرة شبلول وتجاربه قد سقطت منه سهوا أو قصدا لتتلبس سيرة الشخصية التي خلقها أو سيرة الشاعر المصري الاسكندراني يوسف عبدالعزيز الذي تدور حوله الأحداث.

في قراءة موجزة لسيرة وشخصية يوسف عبدالعزيز النزاعة للاستقلال وفي حدود ثورتين مهمتين في تاريخ المجتمع المصري، ثورة الحرامية كما أطلق عليها السادات، وثورة 2011 نجد أن الفتى الذي انطلقت روحه الوثابة والصارخة ضد كل أساليب القمع في أواخر السبعينات وحتى وصوله إلى حالة اليأس والقنوط وترك كل الأسئلة مفتوحة على إجابات غيبية بعد أن شاهد مدينته تغرق في الحزن والبؤس قد عانى الأمرين في هذه الفترة في سياقات سعيه وبحثه عن حياة كريمة وكشف خلال هذه التجربة رغم اقتضابها القناع المزيف عن كواليس الصحافة والأدب والفن والإدارة وعانى بشكل كبير من تشابك وتقاطع المصالح والحيازات والاستحواذ عليه كشخص وعلى وعيه وفعله الإبداعي والضغط عليه من خلال لقمة عيشه ليكون أداة طيعة في يد من يرغب في تطويعه وتركيعه سواء على صعيد فكره أو جسده، ليختزل بذلك أيضا قصة حياة هذا العربي التائه من المحيط إلى الخليج.

وقال معرجا على تفاصيل العمل “رئيس التحرير التي قدمت ثقافة واسعة لرئيس تحرير متعدد الثقافات لم تنتج الواقع الاجتماعي كما هو وإنما قامت بوظيفة إيحائية نقدية فاضحة لكل ما هو أناني وقاتل في مواجهة ما هو ثقافي جماعي ناجز، وتكون هذه السردية قائمة على العلاقة الجدلية بين الواقع الاجتماعي والأثر الأدبي آخذة بعين الاعتبار عملية التأثير والتأثر، خاصة وأن النص هو عملية صيرورة تتقاطع مع عدد من النصوص السابقة عليه، والتي يستوعبها إرادياً أو لا إراديّاً.”.

“أننا في النص الذي تجسده أهواء السيرة الذاتية يظهر فعل التحكم بألياته وبناه الفنية وانساقه مركبا من موقفين، الأول يتمثل في صوت الراوي الذي يظهر حائرا ومأزوما وغير قادر على أن ينهي مشروعه الذي ارتبط بالجوهرة ومنى فارس والعودة الى الخليج وهذا المشهد المخيف الذي واجههه في وطنه، وبين موقف المجتمع أو صوت المجتمع الذي يتخلل السرد من خلال موقف قيمي يطرح على الراوي البقاء والمساعدة في إعادة البلاد إلى رشدها ليتكون الصراع الداخلي المخيف بين الذات الفردية والذات الجماعية، لتبقى الأسئلة مشرعة على بحر الاسكندرية الموغل في الانفتاح”.

وتوقف الروائي أحمد فضل شبلول على منصة نادي الاردن عبر مختبر السرديات الأردني فأكد “عشت في بلاط صاحبة الجلالة عددا من السنوات سواء في مصر أم الخليج، وتشابكت مع الواقع الصحفي هنا وهناك، ودخلت المطبخ الصحفي ولاحظت وجود إيجابيات وسلبيات لم يتحدث عنها الكثير من الأدباء والروائيين إما لأنهم لا يعلموا عنها شيئا، أو يعلمون خاصة إذا كانوا أدباء صحفيينولكنهم لم يعيروها أدنى انتباه”.

ولفت “لا أقول إنني أول من كتب عن بلاط صاحبة الجلالة، فقد سبقني عدد من الأدباء والكتاب الكبار أذكر من بينهم فتحي غانم في ‘زينب والعرش’ ونجيب محفوظ في ‘اللص والكلاب’ حيث شخصية الصحفي المتلوِّن رؤوف علوان، أيضا قصة فيلم ‘يوم من عمري’ لعبدالحليم حافظ والنابلسي كانت تدور في عالم الصحافة، إلى جانب كتابات لمصطفى أمين ‘صاحبة الجلالة في الزنزانة’ وموسى صبري ‘دموع صاحبة الجلالة وشخصية بطلها محفوظ عجب’ وجمال الغيطاني ‘حكاية المؤسسة’ وغيرها القليل”.

“ولكن بالتأكيد الأدوات الصحفية اختلفت، والعصر اختلف، والمطبخ الصحفي اختلف كليا عن زمن غانم ومحفوظ. ويظل الفارق بين ‘رئيس التحرير’ وبين ‘زينب والعرش” و’اللص والكلاب’ على سبيل المثال، هو أن معظم أحداث روايتي يدور في الصحافة الخليجية، والقليل منها يدور في الصحافة المصرية، كما تتنوع الأمكنة في ‘رئيس التحرير’ عنها في الروايات الأخرى، حيث نرى إلى جانب مصر (الإسكندرية تحديدا) والبلد الخليجي (غير المتعين في الرواية) وأبوظبي وبغداد وعمَّان والبتراء التي كتب عنها السارد استطلاعا صحفيا تميز بشعرية اللغة، ويعد من أفضل فصول الرواية من وجهة نظري”.

وتابع “أحببت أن أنقل للقارئ هذا الجو الصحفي الجديد والمعاناة التي تكبدها بطل الرواية أو شخص الرواية وهو يوسف عبدالعزيز أثناء عمله الصحفي في الخليج، ومفردات تعامله سواء مع رئيس تحرير المجلة التي يعمل بها أو مع زملائه في المهنة وخاصة المصريين أمثاله، أو مع المجتمع الخليجي بشكل عام الذي يكتظ بجنسيات عربية وأجنبية كثيرة، تصل إلى أكثر من مئة جنسية خاصة الهنود”.

 

(ميدل ايست اونلاين )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى