غياب – محمد نجيب

الجسرة – خاص
تسلّمُ روحيْ عليَّ
إذا كنتُ فيكِ ــ كما أشتهي ــ
وإذا لمْ أكنْ واستباحَ الغيابُ غيابي
بعيدان يمكنُ لكنْ قريبانِ جدًا
توحّدنا الأمنياتُ
يقولون لي : أنّ حلميَ مات،
وقلبي تملّحَ بالذكريات
فغادرْ أمانيكَ والحلمَ فيكَ
وسرْ في بلادِ الهجيرِ
بمنفاكَ وحدكَ
حيٌّ أنينُكَ فيكَ…وغرّدْ على طللِ الحبِّ
وانظرْ إلى الراقصات على شاطيءِ النيلِ
واسبحْ بهنَّ
ستدركُ أنّ الوجودَ تغيّرَ حولك،
كلّ الأماني النقيّاتِ مثلكَ
لمْ يدّخرنّ لمستقبلِ الحبّ شيئًا…
فسافرْ
وذخّرْ هواك ببترولِ إحدى الدوَلْ
وحصّنْ فتاتَك بالمالِ فالآنَ يعني الأملْ
تمهّلْ
على الحلمِ حتّى يراك
وكنْ حاملًا للهدايا الكثيراتِ
كالأغبياءِ الذين يفوزون بالفاتناتِ
وكالآخرين تعوّدْ عليكَ
وكنْ أنتَ أنتَ
ولا تفضح القلبَ بالشعرِ
كنْ كالمرايا
لتعثرَ فيك على كلّ شيءٍ
وبعد سنين منَ الموتِ فيك
سيصبحُ وجهُ عدوّك وجهَكَ
في صفْحةِ الإنْتهازيّ
فاجعلْ عصاك عصاك ولا تحلم اليومَ بالمستحيلِ
فلنْ تعْبُرَ النهرَ،
لنْ تغْرِقَ الحزْنَ فرعونَ قلبكَ
في اليمّ حيث اجتباك
فتاتكَ رغبةُ موتِكَ
والحبُّ طعنٌ جميلٌ بروحكَ
والشوقُ نزفكَ حين تئنُّ
مع الذكرياتِ ! …
يصيبُك وجهُ فتاتكَ
لو كنتَ تكتبُ عن أخرياتٍ
تقلّبُ أوجاعَكَ الساكناتِ
وتأخذُ منكَ نصيبَ الهوى كاملًا
غيرَ منتقصٍ كالقصاصِ بصدرٍ شريفٍ
أناديكِ شعرًا
وأُخْفِيْكِ خوفًا عليكِ من الآخرين
فهل تعرفين ؟
أرتّلُ فيكِ إذا كنتُ وحدي
وغادرني الأصدقاءُ
فكيف تغيبين عني وأنتِ معي
يمسكُ الحزنُ بي مثلَ أمي
ويجذبني للغيابِ
وحين أفكّرُ وحديَ فيكِ
تموتين في قفصِ الزوجةِ المنزليِّ
وتبتلعينَ همومَ الحياةِ
مع الشايِ كلّ صباحٍ
وتنتظرين ! …
بلا رغبةٍ في الهروبِ
تربّين أطفالكِ الطيبينَ…وكلبًا
كسمٍّ على شفةِ الوردِ
أنتِ
وفي رحلةِ البحثِ عنكِ
وأنتِ بلا أملٍ
تسمعينَ أغاني الغرام
يصاحبني الحزنُ،أحلمُ بالموتِ
خوفًا من الغيرةِ الحارقةْ
أغسّلني ثمَّ أبكي عليَّ،
أكفّنني بالحروفِ وما قد تبقّى من الحزنِ
ثمّ أصلّي عليَّ
أعزّي القصيدةَ فيَّ
وأكتبُ ما ظلَّ في القلبِ حيًا
من الطعنةِ السابقةْ
أنا آسفٌ يا أبي قد رحلت
ولم أنْجبِ الطفلَ حيثُ اشتهيت
ولم أسكنِ البيتَ…فوقك حيث أردت
أنا آسفٌ خابَ ظنُّك فيَّ
فلم أرثِ الصبرَ منكَ
وأورثتكِ الحزنَ مني وأحببتَ حزني !
أنا آسفٌ يا أبي
لم أسافرْ إلى الموتِ خوفَ الزواجِ من القريةِ،
النوم قرْبَ فتاةٍ تعانقني دون حسٍّ
بلا رغبةِ الموتِ فيَّ فقائمةُ الأكلِ أولى اهتمامًا
ولم أترك الناسَ خوفا عليَّ ولا رغبةً في الرحيلِ
فقطْ يا أبي
لمْ أكنْ رجلًا منْ حديدٍ
أنامُ على فرشتي حين يأتي المساءُ
وأفطرُ في أوّل اليومِ
كالآخرين بلا ضجرٍ منْ تقاليدَ تأكلُ
أحلامَنا كلّ صبحٍ
أنا…لستَ أنتَ !
ولكنْ أحبّك جدًا
أنا آسفٌ يا رفاق
هنا تنتهي رحلتي معكمْ
سوفَ أبقى أنا
تابعوا أنتمُ الركضَ للمستحيلِ
بلا قلقٍ رسلًا للكلامِ وللأمنياتِ
ولا تهربوا أبدًا يا رفاق
وصلّوا عليّ
وصلّوا عليّ
أنا آسفٌ يا قصيدي
بيومٍ ستحتاجني في المساءِ ولنْ أستجيبَ
فروحي التي قد تعوّدتَ تنزفُ فيها
سترجعُ حيث أتتْ
والأماني الغزيراتُ جدًا كما غيمة نفّضتْ ما بها من أنينٍ
فكنْ في سوايا
وواصلْ بقاءَك حيًا
ولا…
لا تمتْ بعدَ موتي
ولا تترك الضعفاءَ وكنْ معهم حينَ أمشي..
أنا آسفٌ يا فتاتي
لكمْ كنْتُ أحلمُ أنْ أتعذّبَ عمرين بالبعدِ عنْكِ
وأبكيكِ شعرًا إلى أبد الدهرِ
لمْ يدّخرْ زمني ما ادّخرتُ من الحبّ
لم يحتملْ كاحتمالي
أنا آسفٌ سامحيني
أنا لست مثلكِ…أدري
ولكنْ
أحبكِ جدًا
أنا آسفٌ للجميع
لكمْ كنتُ أحلمُ أنْ أتغيرَ ثمّ أغيّرَ
هذي الحياةَ كما أشتهي وأريدُ
هو الموتُ حظّي أنا
قدري بعد عمرٍ قصيرٍ من البحثِ عنه
أنا أنتَ يا قارئي قبل حين
وأنت أنا بعدَ حين
فلا تسرقِ الفكرةَ الأمَّ
كنْ أنتَ
في الشعرِ والحبِّ
كنْ
أملًا في الحضورِ
وأمنيةً في الغيابِ…