محمد أركون في ذكراه الرابعة.. التنوير المهمّش

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-
*حسن نصور
في الحديث عن قراءاتٍ حديثةٍ تتسم بالجديّة للإسلام، لا يمكن إغفال أسماء، بعضها للأسف ليس معروفاً خارج الدائرة الأكادمية بالدرجة التي تتيح إحياء ذكراه. لعلّ من بين هذه الأسماء المفكر والباحث والمؤرخ الجزائري محمد اركون. نقول إن الإحاطة بالمنجز الأهمّ للرجل يعتبر عملا على درجة من الدقة من وجهين: الوجه الاول أن انسداد مسارب التفكير في النصّ كمعطى معرفيّ محض في ذروة حقبة العماء الدينيّ المتجذر في تربة العقل العربيّ والاسلاميّ يضع الرائي، قارئاً او باحثاً او ايّ متلقّ عاديّ لمؤلفات أركون، وسط دائرة مغلقة من اليأس وبالتالي العجز عن امكانية النظر بعملانية الى المنهج الأركوني في مقاربته للإسلام ولنصّه المؤسس. ثانياً، وربطاً بالوجه الاول، فإن الجهر بوضع النصّ الاسلامي راهناً على مشرحة المنهجيات التفكيكية الحديثة من دون قطعيات لاهوتية قروسطية ليس عملاً فردياً وإن اضطلع القارئ الفرد بأبعاده وإمكاناته، بل يمكن عدّه مشروعاً يحتاج، بحسب اركون نفسه، الى أكثر من جيل أكاديميّ واع وإلى رعايات مؤسساتية دولتيّة توازي حجم الخطوة والمنجز.
تحسن، عند الحديث المجمل عن أركون في ذكراه (1928 – 14 سبتمبر 2010 م) الاشارة الى مسائلَ ليست عارضة بين مناهج النقـد الإسـلامي التي تـؤخذ عادة على محمل قيمتها الابستـمولوجية. نعني قدرة صاحب (نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية الثلاثة) على التعامـل الصـارم الأكـادميّ مع الموروث الإسلاميّ الكلاسيكيّ بقراءاته الرئيسة الثلاث (الأرثوذوكسية كما سماها): السنية، الشيعية، الخارجية. باعتبارهـا قراءات منـجزة مغلقة لا تتفاضل، كما يرى، إلا بمعيار ما تنتجه المنهجية التفكيكية ذاتها، من دون الأخذ مسبقاً بقطعيات لاهوتية أو تاريخانية لم تُوضع على محك البحث والتـأمّل الجدّييـن، وتالـياً من دون الاتـكاء بحـثيّاً على هذه القطعيات كمسلّمات ومن غير الانجرار خلف ما أسماه: «مديونية المعنى»، ذلك الـناتجَ الطبيعيّ لهذه القراءات الإيمانية المغلقة للقرآن.هذا المسلك المنهجيّ في قراءة أركون لا نكاد نشعر بصـرامته ونحن نتتبع قراءات أخرى، على اهمّيتـها (نـصر حامد ابو زيد، الجابري) اذ نظـل ونحـن نقفو سيـاقات الكتابة، عند الأخيرين، نجـد ميلا للتعـامل مع مرويات وقطعيات وأخبار تاريخية من السير والمغازي وكتب الحديث كسياقات مـسلّم بها مسبقاً.
منهجيّة أركون التقدّمية التراجعية في رؤيتها الى المدونة «النصّية المؤسّسة عند المسلمين» تتمظهر، بمستويات مختلفة في غالب أعماله (نافت على العشرين، تُرجمت عن الفرنسية والانكليزية)، على أن تأسيس أركون لقراءته المركزيّة نراه مكثفاً وواعياً ومكتملا في عمله المتأخـر نسـبياً، نعني «الفكر الأصولي واستحالة التأصيل» (ترجمة وتعليق هاشم صالح، طبعة اولى 1999)، من حيث كونه حجر الزاوية في القراءة التفكيكية لآيات القرآن. قراءة تستثمر معطيات العلم الحديث (اللسانيات والسيمياء الحديثة، علم النفس التاريخي، كرونولوجيا الوحي…) من دون إغفال نقد القراءات الاخرى الموظّفة مسبقاً بوعي في قراءة اركون. في هذا الحيز، نجد انفسنا، في النتيجة وعلى سبيل المثال لا الحصر، امام معجم مصطلاحات قرآنية محدَث مغاير للمتوارث في متون التراث المدرسيّ: «النصّ الرسمي المغلق، مديونية المعنى، مدونات المعتقد الاورثوذوكسي… ويصل الى حدّ الاعلان عن الحاجة الماسة إلى موسوعة علمية للقرآن وقاموس تاريخيّ للّغة العربية.
يذكر أن اركون درس الأدب العربي والقانون والفلسفة والجغرافيا بجامعة الجزائر، ثم بتدخل من المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون (Louis Massignon) قام بإعداد التبريز (الماستر او ما يعادله) في اللغة والآداب العربية في جامعة السوربون في باريس. ثم اهتم بفكر المؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه الذي كان موضـوع أطروحـته بعنـوان «نزعة الأنسنة في الفكر العربي. عُين أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون عام 1980. بعد حصوله على درجة دكتوراه في الفلسفة منها، عمل كباحث مرافق في برلين عام 1986 و1987. شغل ومنذ العام 1993 منصب عضو في مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية في لندن. ونال جوائز عدة من أهمها: جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2003.