فاروق حسني … وزراة الثقافة والفنون!

- وزير الثقافة المصري والاحتفاء بالقوة الناعمة - 2024-09-12
- اقتربنا من العام.. هل حققت الصهيونية أهدافها في غزة؟ - 2024-09-05
- قصة قد أكتبها عن الجنيه المصري - 2024-08-22
الهواء الثقافي الآن في مصر محمل بالحديث عن وزارة الثقافة الجديدة، التي تولاها فنان هو أحمد فؤاد هنو الحاصل على ماجستير في أفلام الرسوم المتحركة، والدكتوراه في فلسفة الفن، ومتخصص في الاتصال المرئي والرسوم المتحركة، وتولى مناصب عديدة في كلية الفنون، كما شارك في ملتقيات فنية في مصر والخارج وغيرها.
لم تسبق لي مقابلته، كما حدث ولم تسبق لي مقابلة الوزيرة السابقة نيفين الكيلاني. كان آخر من عرفتهم من الوزراء هي الفنانة إيناس عبد الدايم. قبلها تقريبا عرفت أو قابلت كل الوزراء. كل من تولوا الوزارة بعد ثورة يناير/كانون الثاني وقبل حلمي النمنم كانوا باحثين ومفكرين، منهم مثلا عماد أبو غازي وشاكر عبد الحميد وصابر عرب، وكانت الأحداث التالية للثورة وراء تغييرهم، أو استقالاتهم، وليس لقصور منهم. حلمي النمنم استمر أكثر من عامين وهو قادم من عالم الصحافة والفكر لا الفن، ثم جاءت بعده إيناس عبد الدايم عام 2018 حتى العام قبل الماضي.
إيناس عبد الدايم حاصلة على شهادات عديدة في الآلات الموسيقية آخرها الدكتوراه في آلة الفلوت، وكلها من باريس. هي عازفة فلوت عالمية، وتولت مناصب فنية رفيعة قبل الوزارة. أيام حلمي النمنم كانت المؤسسات الثقافية تعمل بشكلها الروتيني ولا جديد. زاد النشاط أيام إيناس عبد الدايم، وحاولت الحركة في لقاءات ومهرجانات حقا، لكن ما حولها كان محبطا حتى أقيلت فجأة، دون سبب واضح. جاءت الوزيرة نيفين الكيلاني، التي لم تستمر حتى لعامين، ولم نسمع شيئا عن الوزارة، كأنه قد أغلق بابها. نيفين الكيلاني أيضا حاصلة على الدكتوراه في النقد الفني، وكانت عميدة معهد الباليه، أي أنها قادمة مثل فاروق حسني وإيناس عبد الدايم من دنيا الفنون، لكنها لم تفعل شيئا يضاهي ما فعلاه. جاء الوزير الجديد من دنيا الفنون فاستبشر الكثيرون خيرا، فمع فنان مثل فاروق حسني كانت الوزارة أجمل فضاء، ومع إيناس عبد الدايم ازدهرت بعد الخمول الذي حل بها. لكن كتبت الكاتبة فاطمة المعدول – هي إلى جانب إبداعها كانت إحدى المسؤولين الكبار في وزارة الثقافة أيام فاروق حسني- على صفحتها في فيسبوك تقول، إنه ليس الفن الذي جاء منه كل وزير هو سبب نجاحه، ففاروق حسني لم ينجح لأنه فنان تشكيلي فقط، لكن لأنه ابن وزارة الثقافة منذ بداية حياته العملية. وضربت مثلا بعمله في قصر ثقافة الأنفوشي في البداية، ثم التحاقه مستشارا ثقافيا في فرنسا، ثم مديرا للأكاديمية المصرية للفنون في روما في إيطاليا، ما أتاح له لقاء أجيال من المثقفين وخبرات كبيرة، وما جعله وزيرا لن يتكرر في نجاحه منذ تولى الوزارة عام 1987، رغم أي سلبيات.
أوافق فاطمة المعدول، لكن أضيف ما لم يخطر على بال أحد، وليست مغالاة مني أنا ابن الإسكندرية مثله. الإسكندرية التي كان يتسع فضاؤها لكل الناس. من المؤكد أنه وهو من مواليد 1938 أطال الله عمره، رأى المدينة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وهي ما زالت حافلة بكل الجنسيات، من يونانيين إلى إيطاليين وأرمن وأكراد وشوام ويهود وإنكليز وفرنسيين وعرب. تعلم بين ذلك وتأثر به قبل سفره إلى الخارج وعودته بخبرات عالمية عظيمة. من المهم أيضا أن أضيف إنه حين تولى الوزارة، كانت الثقافة لا تزال جانبا مهما في تفكير نظام مبارك الحاكم. خاصة مع ازدياد وتيرة الإرهاب من ناحية، ونشاط الإخوان المسلمين من ناحية أخرى.
استمر فاروق حسني في منصبه حتى ثورة يناير، وأستطيع أن أقول واثقا، إنه رغم ذلك كان مستعدا للرحيل في أي وقت. لا أنسى يوم زرته في مكتبه حين ثارت إحدي الأزمات. لا أذكر أي أزمة بالضبط، فما أكثر الأزمات رغم النجاح، وربما هي دائما قرين للنجاح. سألته هل أنت مستعد لترك الوزارة، فقال لي وهو يشير إلى حقيبة صغيرة قريبة منه «أنا مستعد في أي وقت، ومن يستطيع فليفعلها، ففي هذه الحقيبة أهم أشيائي الشخصية هنا. أريد وقتا أكبر لممارسة الفن». كان محل رضا من النظام، خاصة السيدة سوزان مبارك، التي معها أقام أعظم مشروع للقراءة ومعه سمير سرحان، وهو مشروع مكتبة الأسرة والقراءة للجميع. لا يكفي المقال للحديث عن إنجازاته، لكن مهم استعادة بعضها مثل ترميم وتوسيع المتحف القبطي والمتحف الإسلامي، وافتتاح المبني الجديد لدار الكتب المجاور لهيئة الكتاب على كورنيش النيل، وإنشاء دار الأوبرا المصرية في مكانها الجديد، وإنشاء قطاعات مهمة، أو توسيع دورها في الوزارة، مثل صندوق التنمية الثقافية، والمجلس الأعلى للآثار ـ كانت الثقافة مع الآثار وزارة واحدة، وجهاز التنسيق الحضاري وغيرها. كذلك إنشاء مكتبات مثل مكتبة القاهرة الكبرى، والمجلس الأعلى للثقافة، ثم المركز القومي للترجمة، وأقام أول مهرجان عالمي للمسرح التجريبي مستمر حتى الآن طبعا.
أنشأ متاحف عديدة مثل متحف النوبة ومتحف الخزف، وقام بتطوير شارع المعز، وهو التطوير الذي ننعم به حتى الآن، وينعم به كل زائر للمكان. فتح بعض الأبنية الإسلامية الأثرية للقاءات والندوات مثل قصر الغوري وغيره. كذلك تم شراء بيت طه حسين ليصبح متحفا في وزارة عاطف صدقي باقتراح منه. وقبل أن أنسى فهو صاحب فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير، الذي طال العمل لإنجازه بعد تركه للوزارة، لكنه أوشك على الانتهاء. كان من أبرز الأحداث ترشحه لمنصب مدير عام اليونسكو عام 2009 وكان ينافسه سبعة مرشحين لهم أسماء مهمة في العالم، ولم يفز بفارق أصوات قليلة جدا، فقد فازت المرشحة البلغارية إرينا بوكوفا بواحد وثلاثين صوتا، بينما حصل فاروق حسني على سبعة وعشرين صوتا. دعك من الجدل الذي صار في مصر وقتها، فالجدل مع كل الأحداث الكبيرة، لكن المهم صورة فاروق حسني في العالم.
لقد شارك أيضا بأعماله في أهم المعارض العالمية في فرنسا في متحف اللوفر، ومتحف المتروبول في أمريكا، والناشيونال جيوغرافيك في واشنطن، ومتاحف في روما وفيينا، فضلا عن معارض في بلاد عربية مثل، البحرين وقطر وأبو ظبي وجدة وبيروت وطبعا مصر.
كل ذلك لم يكن منفصلا عن الجو العام للنظام التي لم تغب عنه الثقافة، رغم أخطائه الكبرى في السياسة التي يطول الحديث عنها. كان الوجه الثقافي هو أهم ما يمكن الإشارة إليه في عهد حسني مبارك. أبدع فيه فاروق حسني، رغم أنه أيضا تعرض لانتقادات كثيرة لكن تحملها ولم يعادِ أحدا. والسؤال هل سيستطيع الوزير الجديد بما له من خبرات أن يعيد وجه الثقافة التي حتى من الناحية البراغماتية، تعطي للنظام الحاكم قبلات صغيرة للحياة. هو فنان تشكيلي حقا مثل فاروق حسني، وتولى مناصب مهمة، وبلا شك لديه خبرات ستفيده، لكن الحادث في مصر الآن هو تراجع في كل مجال وفي الثقافة إهمال. من سيخرج قصور وبيوت الثقافة من نومها، ومن سيفتح المجال للإنتاج السينمائي بعيدا عن الاحتكار. ربما المسرح لا يزال قائما ونتمني البعد عنه، لكن من يستطيع رفع يد الدولة عن أسعار الورق والطباعة، وأشياء كثيرة يطول الحديث عنها افتقدتها الثقافة، كتبت عن أكثرها سابقا في مقالات متعددة. أنهي المقال بالإشارة إلى فاروق حسني وما يفعله الآن، فبالإضافة للرسم والمعارض التي يشارك فيها، أقام مؤسسة خاصة اسمها مؤسسة فاروق حسني للفنون والثقافة، يديرها عدد من أهم المثقفين وأمينها هو الكاتب محمد سلماوي، ومن مجلس إدارتها رجل الأعمال نجيب ساويرس، وفيها أسماء أخرى رائعة من الفنانين والكتاب، تقوم بمنح جوائز كل عام في الرسم والعمارة والنحت والنقد الفني والتصويرالفوتوغرافي، وتمنح ثلاث جوائز مالية في كل فرع. وهكذا فالفنان الكبير فاروق حسني في الوزراة وخارجها لا يفارق الجمال ولو في الفضاء.
**المصدر: جريدة”القدس العربي”