«كلمات وأقاصيص».. النسخة الجديدة من «معرض الكتاب الفرانكوفوني»

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-
*اسكندر حيش
لا تزال فكرة «الكلمات» مستمرة في «معرض الكتاب الفرانكوفوني» (في بيروت). فبعد أن بدأت هذه السلسلة عام 2010 مع «كلمات المتوسط»، ولاحقا «كلمات الحرية»، لتصل إلى نسخة السنة الماضية (2013) تحت عنوان «كلمات الآخرين»، يضع منظمو المعرض «كلمات وأقاصيص» عنوانا لطبعة هذه السنة، التي يحتفل فيها المعرض بسنته الواحدة والعشرين. إحدى وعشرون سنة، مرّت إذاً على الحدث الفرانكوفوني الثقافي الأبرز في لبنان. حدث عرف كيف يتطور ويصبح مقصدا وجامعا لقسم كبير من اللبنانيين الذي ما زالوا «مؤمنين» بجدوى الثقافة.. على الرغم من أننا في السنوات القليلة الماضية لم نتوقف عن التفكير ما إذا كان المعرض سيقام في موعده أو يتأجل بسبب الظروف المختلفة التي مرّ بها لبنان. لكن في كل سنة يتسلى اللبنانيون بقصة «الفينيق» وأسطورته وانبعاثه من الرماد، ويقررون في اللحظة الأخيرة «مواجهة» الأزمات بالثقافة. لكن أي ثقافة؟ سؤال مشروع برأيي في ظلّ هذه الهمجية التي تجتاح المنطقة بأسرها.
في أي حال، تأتي نسخة هذه السنة و«روائح داعش» تفيض علينا من كلّ حدب وصوب. تخيّلوا المفارقة: ثقافة فرانكوفونية في ظلّ حركات تكفيرية تسيطر على المخيّلة، في كل لحظة. مخيلتنا جميعا، لتدفعنا إلى التساؤل عمّا ستكون عليه الحال من «فرانكوفونية» (وغيرها بالطبع) فيما لو…!!! وبما أن لبنان بلد المفارقات كلها، لا بأس بأن «نأمل ونتوقع» أن يبقى هذا الحيّز الثقافي، بالرغم من كلّ شيء.
رشيد بوجدرة
وبما أني أشرت إلى المفارقات، ثمة واحدة طرأت على بالي وأنا أتابع صباح البارحة المؤتمر الصحافي الذي عُقد في مبنى «بنك ميد» للإعلان عن انطلاق «الصالون» (من 31 الحالي (الافتتاح) إلى التاسع من الشهر المقبل)، والذي شارك فيه سفراء فرنسا وكندا وبلجيكا وسويسرا، وتغيّب عنه سفير رومانيا، بالإضافة إلى عضو مجلس إدارة «بنك المتوسط» مارون أسمر ورئيس «نقابة مستوردي الكتب في لبنان» سامي تويني.
في الكتيب الخاص الذي وُزع في المناسبة، نجد في الصفحة الأولى، وتحت عنوان «محاور المعرض» عنوان «رواية الأزمات وقصتها وذاكرتها» تعريفا بفكرة هذه السنة العامة. لا شيء غير اعتيادي في ذلك. لكن «الأزمة» عندي، بدأت حين عدّد السفراء أسماء الكتّاب المدعوين. لم ينتبه أحد إلى ذكر اسم رشيد بوجدرة، الكاتب الجزائري، الذي يحلّ ضيفا على المعرض هذا العام. هل يعني ذلك، إشارة إلى «الأزمة» التي لا تزال مستمرة بين الجزائر وفرنسا (بعد حرب التحرير، وبمعنى آخر حرب التخلص من الاستعمار الفرنسي) بوجوه متعددة؟ سأغض الطرف عن هذا الافتراض السياسي، لأدخل إلى قلب سؤال ثقافي بحت: هل فعلا يعرف الحاضرون، على منصة الأمس، أعمال هذا الكاتب واسمه، وخصوصا أنه واحد من أهمّ الكتّاب الحاضرين هذا العام، بل إنه يساوي القسم الأكبر منهم. هل كان من المفترض مثلا أن يأتي «سفير دولته» ليعلن قدومه (ونعرف أن الجزائر ليست عضوا في المنظمة الفرانكوفونية)؟ بهذا المعنى، لم يكن هناك أي «سفير لبناني حاضرا» بل أخذ السفير الفرنسي على عاتقه تعداد أسماء الكتّاب اللبنانيين المشاركين (مع الكتّاب الفرنسيين بالطبع). فلماذا استثناء بو جدرة؟ سؤال لا بدّ من أن نبحث عن توضيح له.
في أي حال، عديدة هي محاور معرض هذا العام. مثل كلّ سنة نجد المحاضرات والطاولات المستديرة ولقاءات مع الكتّاب وحفلات تواقيع الكتب. معرض هذه السنة يتضمن «قرية الفنون» وهو نشاط يقام للمرة الأولى، إذ عدا الكتب الفنيّة الجديدة التي ستعرض، ستقام محترفات (للبالغين والقاصرين) لكيفية تعلم «فن الغرافور والطبع على الحجر». أما المعرض الفني «الكبير» لهذه السنة، فهو المعرض الفوتوغرافي الذي تقيمه «حنة أسولين» ويدور حول موضوع «أيدي الكتّاب» إذ تقدم لنا صورا ليديّ باتريك موديانو (حائز نوبل للآداب هذا العام) ولوكليزيو (نوبل للآداب العام 2008) مرورا بأمين معلوف وشريف مجدلاني.. وغيرهم بالطبع.
3 مناطق فرنسية
ويشهد المعرض حفل إعلان الفائز بجائزة «لائحة غونكور ـ خيار الشرق» للمرة الثالثة على التوالي، من دون أن ننسى حضور الفائز بجائزة العام الماضي الكاتب سورج شالاندون عن كتابه «الجدار الرابع»، حيث يُحتفى بصدور ترجمة الكتاب إلى العربية (عن دار الفارابي). وهذه الترجمة تقودنا إلى الإشارة إلى أن هناك منصة تشارك فيها 19 دارا لبنانية (تنشر بالعربية) تعرض فيها ما ترجمته من كتب، وفي مختلف الحقول، من الفرنسية إلى العربية. أضف إلى ذلك أن معرض هذا العام يتضمن العديد من الجوائز، إذ بالإضافة إلى جائزة «فينيكس» (عميدة جوائز المعرض)، و«لائحة غونكور»، هناك هذه السنة جوائز جديدة ومتجددّة عدة هي: جائزة «القراء الشبّان»، جائزة «النقاد الشبّان»، جائزة «ناديا تويني» للشعر، جائزة «زرياب لفن الطبخ»، جائزة «الطلاب الثانويين الأدبية» وجائزة «مسارات إنسانوية».
معرض الكتاب ليس فقط ندوات وكتباً مطبوعة وأدباء، بل هو أيضا مناسبة للعاملين في صناعة الكتاب من ناشرين وأصحاب مكتبات ومستوردي كتب وموزعين.. من هنا يشهد المعرض العديد من اللقاءات المشتركة بين العاملين في هذا المجال. وتحضر أيضا «ثلاث مناطق» فرنسية عاملة في مجال النشر والكتاب والتوزيع… الخ، هي «بروفانس ألب دوت دازور» (كانت المنطقة الأولى التي حضرت وشاركت منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي) و«إيل دو فرانس» و«كورسيكا» (تشارك للمرة الأولى).
برنامج يبدو حاشدا، فيما لو استمعنا إلى المنتدين أمس، وفيما لو قرأنا الكتيب الخاص. الأهم من ذلك، أن تأتي النشاطات لتؤكد ذلك، أو على الأقل لتحملنا قليلا إلى «أقاصيص» تعنينا، مثلما يقترح عنوان المعرض العام هذه السنة.