«ورد السياج» العابر لكل حصار..

- «ورد السياج» العابر لكل حصار.. - 2025-08-18
- الهوية وغزة - 2025-07-24
- سرير بروكرست - 2025-05-25
أحب أعمال ليانة بدر منذ أول رواية قرأتها لها، هي كاتبة فلسطينية لها أعمال روائية مهمة مثل «الخيمة البيضاء»، ومن مجموعاتها القصصية «أنا أريد النهار»، وكذلك شاعرة ولها كتب بحثية مثل» تغريدة الشاعر- أثر المكان على الهوية في أعمال محمود درويش» وغيرها، والتي تعيش الآن في رام الله بعد رحلة من الشتات من فلسطين إلى بيروت إلى تونس. منذ أسابيع صدرت لها في مصر رواية بعنوان «ورد السِّياج» عن دار الثقافة الجديدة. أخذني الشغف أن أعرف عن أيْ ورد، وإن كنت أدرك أن السِّياج سيكون الحصار للشعب الفلسطيني. أخذتني الرواية إلى فصولها المتفرقة عبر الزمن، والتي تبدأ بأكتوبر عام 2021 أيام حصار كورونا، الذي فتح الباب للحديث عن الحصار عبر التاريخ في فلسطين والأردن وبيروت حيث مخيمات اللاجئين. تدفق الحديث عن الورد الذي ستدرك أنه النساء. شخصيات مثل هند وعائشة وآمنة وسعدي وسمية وغيرهن، وبينها شخصيات من الرجال مقاتلين وشهداء أو يعملون في الصحافة مثل المصور ماجد. الصحافة في بيروت في السبعينيات التي رغم اتساعها فوراء أكثرها جماعات وأحزاب بين اليمين واليسار، وحال الدول العربية مثل مصر واتفاقية كامب ديفيد وأثر ذلك. قصص الحب الضائع والحب القائم، مما يعطي الرواية طابعها الإنساني. هكذا صار التنقل بين الورد بلغة تجسد ما تحكيه الكاتبة أو ما تحكيه الفتيات، يجعلك لا تترك الرواية من يدك. كيف كان الرجال المؤمنون بالقضية الفلسطينية، يحملون بين الانقسامات الحزبية والدينية، ألقابا صورية في عملهم التنظيمي من ديانات أخرى مقاومة لأيْ تفريق، ومنهم أحمد العشي الذي صار اسمه جورج حداد. تتغير لغة الحكي أحيانا بين ضمير الغائب وضمير المتكلم فيزداد التشويق، لكن نظل مع الورد بين غارات إسرائيل على بيروت، ودمار الشوارع التي جاء ذكر بعضها من قبل مثل شارع الفاكهاني، وتجارب الغائبين في المعارك مثل فادي. يتسع الحوار والذكريات مع ماجد ليحكي لجورج عن زيارته يوما للاتحاد السوفييتي وكيف رأى الحياة على غير ما نعرف عن العدل والمساواة، وزيارته لبيت ماياكوفسكي الذي صار متحفا، وكيف انتهى ماياكوفسكي إلى الموت وقيل إنه انتحر من أجل امرأة، والحقيقة أنه لم يكن متماهيا مع النظام السياسي الجديد رغم احتفاء النظام به، وإقامة تمثال له في موسكو شاهدته أنا يوما في بداية التسعينيات ووقفت أمامه أتطلع إليه. بين ذلك تستمر الإطلالات النسائية مثل أم جلال التي استطاعت إخفاء غيظها من زواج ابنها جلال بآمنة، وكيف تطوعت في العمل بالمستشفى الميداني وتستعيد ذكرياتها منذ أن غُصبوا علي ترك وإخلاء حيفا عام 1948. الملاجئ والمخيمات، وكيف تم في إحداها عرض مسرحي للمخرج روجيه عساف لمسرحية بعنوان « 1936» التي تحكي عن اجبار الفلسطينيين على الخروج عام 1948. ولا مانع من الفرح بشجرة الميلاد حتى يأتي عام 1982 الذي بعده حدث الخروج الكبير من لبنان للفلسطينيين بعد أن دخلت إسرائيل بيروت وحدثت الهدنة لرحيل المقاتلين.
أن تخصص ليانة بدر رواية كاملة للورد ليس مجرد تاريخ، لكن إمساك بروح هي باعثة الأمل دائما فينا، ودون عبارة أو جملة مباشرة في الحكايات. بل هي الحياة تتدفق في صور مرئية كأنها لوحات فنية تملأ الفضاء. لا يمكن أن تنتهي من الرواية دون أن تتذكر ما يحدث في غزة الآن، وتتساءل كم هي الورود التي ستطل حكاياتها علينا قريبا، رغم أنف إسرائيل وكل الأنظمة الموالية لها. رواية ليانة بدر شكلا ولغة وموضوعا تستحق كل احتفاء كبقية أعمالها.
**المصدر: جريدة”الشرق”