تلفزيون قطر.. مرآة الوطن عبر نصف قرن

- تلفزيون قطر.. مرآة الوطن عبر نصف قرن - 2025-08-18
قبل خمسةٍ وخمسين عامًا، وفي زمن كانت فيه الشاشات العربية في طور التأسيس ووسائل الاتصال المرئي محدودة، وُلد تلفزيون قطر في الخامس عشر من أغسطس 1970، ليكون من أوائل التلفزيونات الخليجية والعربية. ومنذ انطلاقه بالأبيض والأسود ثم انتقاله إلى البث الملوّن عام 1974، غدا مرآةً لمسيرة الدولة ونهضتها الحديثة، شاهدًا على تحولاتها ومُسهمًا في ترسيخ قيم وهوية أهل قطر في وجدان أبنائهم.
ولم يلبث قطار التطوير أن انطلق، حتى تعاقبت محطات تأسيسية في مسيرة تلفزيون قطر. ففي مطلع الثمانينيات افتُتح استديو الأعمال التلفزيونية (استديو 4) لمواكبة احتياجات الإنتاج المتزايدة، وتبعه إطلاق القناة الثانية (37 إنجليزي) لتخاطب الجمهور الناطق بالإنجليزية، وهي اليوم قيد التطوير لإعادة إطلاقها رقميًا. وفي نهاية التسعينيات انطلق البث الفضائي للقناة الأولى، فاتحًا المجال أمام الإعلام الوطني لإيصال رسالته إلى أبعد مدى. إذ سيجد تلفزيون قطر آفاقا أرحب للاضطلاع بتوثيق إنجازات الدولة، ونقل نبض المجتمع، وتعزيز الهوية الوطنية عبر محتوى إخباري وثقافي ودرامي متنوع، فضلًا عن تغطيته للمناسبات الكبرى وحضوره في المحافل الإقليمية والدولية. وعلى امتداد ذلك كله، أقام جسرًا بين الماضي والحاضر، وما فتئ يمهّد الطريق نحو آفاق أوسع من التطوير والمأسسة.
وفي مسيرته الطويلة، كان تلفزيون قطر مدرسة لصقل الكفاءات الوطنية، فبرزت منها أسماء أصبحت رموزًا في الإعلام القطري والعربي. وقد ارتبط هذا الدور التكويني بنهج مؤسسي اعتمد التخصص والمهنية ضمن منظومة متكاملة حافظت على جودة المحتوى واستمرارية التطوير. وبهذا التلاقي بين صناعة الإنسان والبناء المؤسسي، رسّخ التلفزيون ثقافة مهنية وتحريرية هي اليوم مرجع للرسالة الإعلامية الوطنية.
ثم جاء عام 2009 بمرحلة مؤسسية مفصلية، مع إنشاء المؤسسة القطرية للإعلام، إذ ارتقى تأسيسها بالهيكل التقليدي للتلفزيون إلى تجربة مؤسسية حديثة ضمن منظومة تجمع الإذاعة والتلفزيون والوسائط الرقمية تحت مظلة واحدة. ومع هذا التحول، اكتسب التلفزيون قدرة تنظيمية وتقنية أوسع انعكست في تحديث البنية والبث عالي الوضوح، وتطوير استوديوهات الإنتاج ومنظومة النقل الخارجي، مما جعله أكثر جاهزية لمواكبة التحولات الإعلامية العالمية. فكان إطلاق منصة «تابع» عام 2019 تتويجًا لهذه الجاهزية المؤسسية، إذ أتاحت للمشاهد أرشيفًا رقميًا وإنتاجات متجددة، بقدر ما ترسخ اليوم حضور التلفزيون على المنصات الرقمية بتغطيات حية للأحداث الكبرى.
واليوم، ومع تولي قيادات شبابية وطنية مواقع القرار، يتواصل مسار التطوير الذي عرفه تلفزيون قطر عبر عقوده، ليتخذ توجهه الحديث في تجديد الخريطة البرامجية وتعزيز صلته بجمهوره، على قاعدة من التكامل بين البث التقليدي والمنصات الرقمية. وبهذا الامتداد الاستراتيجي في تمكين القيادات الوطنية، يرسخ تلفزيون قطر موقعه باعتباره منصة وطنية جامعة، تثبت قدرتها الحيوية على تلبية التوجهات الوطنية في فضاء إعلامي متغير.
لا تُقاس مسيرة تلفزيون قطر بعدد السنوات فحسب، بل بما تركته شاشته من أثر في القلوب والعقول، وبما حققته من حضور وطني وعربي وعالمي. ومع بلوغ مسيرته أكثر من نصف قرن، يواصل تلفزيون قطر أداء دوره الحضاري والثقافي، متطلعًا إلى مستقبل إعلامي متميز وراسخ القيم والجذور. ولا يسعنا، في استحضار هذه المسيرة، إلا تجديد الشكر والعرفان لكل من كان جزءًا منها، من العاملين السابقين الذين أسسوا القواعد، إلى الحاضرين اليوم أمام الشاشات وخلف الكواليس، ممن يواصلون حمل الرسالة بإخلاص وإبداع.
** المصدر: جريدة”الشرق”