كمال غناه

- كمال غناه - 2025-09-08
- لربنا حامدون - 2025-08-18
- لا تقنطوا… - 2025-08-11
إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكه سبحانه شيء، ويصدُق ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَته، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ» [رواه مسلم]. فلله مطلق الغنى، غنًى يليق بكماله وجلاله، غنًى يبعث في قلب الإنسان الافتقار والانكسار والتذلل والخضوع له سبحانه، وأن كل حاجات المخلوق موجودة ربه جلَّ وعلا، وأن الإنسان من غير ربه فقير ضعيف ذو حاجات كثيرة منقوصة، فلذلك نجد كلّ من عرف الله، وعرف ملكه يتوجّه إلى الله تعالى بالسؤال والدعاء بإخلاص في كل صغيرة وكبيرة. والإنسان زائل، وملكه بائد، وهو في مهب القدر الذي لا يبقي له شيئًا ولا يذر، بأمر من الله كلمحٍ بالبصر، والله وحده كامل الغنى، يعي من غناه من شاء من خلقه، وَفْقَ حكمته، وبمقتضى تقديره وتدبيره، وهو الذي ينزع ثوب الغنى عمّن شاء، كما أسبغه أول مرة، وهنا نفضي إلى الحديث القدسي الجليل الذي خاطب الله فيه العباد خطاب المستغني عن كل شيء، والذي لا يستغني عنه شيء، فقال تعالى: «يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أنس أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر». تعقيبا على هذا الحديث الناصع، والبيان الرائع، أذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعضًا من دعائه، وهو قوله: «وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، لا يمكن لبشر من الأولياء العارفين، ولا من الصديقين، ولا النبيين والمرسلين، ولا الملائكة المقريين، أن يثني على الله كما يثني هو على نفسه، وهذا الحديث يصف فيه الغنيُّ غناه عمن سواه، وانطلاقًا من مفهوم المعاكسة، نفهم افتقار الأغيار إليه، وكلّية اعتمادهم عليه، والسؤال الوجودي في حضرة الغنيّ الذي جاء ذكره أعلاه هو عن علة خلق النشأة الآدمية التي لا يضر الله كفرها، ولا ينفعه شكرها، والجواب هو تغيير فلسفة السؤال، وجهة المقال: ما المنن التي منّ علينا بها الغنيّ الذي قدّر نشأتنا، وألهمنا سبلنا، وهو في مطلق الغنى عنا وعن عملنا، لا نتقن أن نحصيها ولا أن نسميها؟ الإجابة: لقد أخرجنا من غيهب العدم وطي الكتمان، وأعطانا خريطة المسير إلى جنة الرضوان، في تلك الدار العالية، التي لا تسمع فيها لاغية، نكون ضيوفًا على مائدة غناه المطلق، ومن أجل ما يغنينا به فيها رضوانه، فلا يسخط علينا، والخلود فلا يتطرق الفناء إلينا. سبحانه هو القائل: }وَأَمَّا الذِيْنَ سَعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِيْنَ فِيْهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ{ [هود: 108]. فإذا كنا دائبين إلى ذاك المقام المحمود، والمصير المسعود، وطامحين طامعين في عطاءات الغني المفتوحة على مصارعها، وآملين بورد ينابيعها، فإن السبيل هو الافتقار والانكسار، والتبرؤ من كل وهم استغناء، إلا كما وصفه الشافعي رضوان الله عليه، الاستغناء عن الممتلكات والمقتنيات، لا اللهاث وراءها.
@zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
** المصدر: جريدة”العرب”