خيبات الربيع العربي تزهر قصائد وروايات … وأسئلة بلا أجوبة

الجسرة الثقافية الالكترونية
*عبده وازن
المصدر: الحياة
لم يكن متوقعاً أن تكون سنة 2014 سنة أدب الربيع العربي. عدد لا يحصى من الروايات صدرت بين مصر وسورية وتونس وليبيا وبلدان اخرى، تعاود كلها طرح الأسئلة المؤجلة التي لم يستطع الربيع العربي الإجابة عنها. ووفق الإحصاءات تحتل مصر المرتبة الأولى في اصدار الروايات والنصوص السردية التي تستوحي الربيع الذي اضحى اكثر من ربيع وأقل منه، بعد أن شهد ما شهد من صدمات ومفاجآت لم تكن في الحسبان.
كان طبيعياً ان تكون الرواية في طليعة الحركة الأدبية «الربيعية». وجدت الرواية في هذه الثورات وتناقضاتها ارضاً خصبة لتتجذر فيها وتنبت وتزهر. ولم تكن الثورات بخيلة في مدّها بما تحتاج الروايات اليه عادة من احداث ووقائع ومصائر ومآس ومهازل مأسوية في احيان. تخطت ثورات الربيع خلال نحو اربع سنوات، التاريخ العربي الحديث وتجاوزت حواجزه الإيديولوجية والسياسية وطوت منعطفاته الخطرة وراحت تعاود رسم خريطته الجيو – سياسية فارضة معالم مفترضة لمستقبل مجهول.
لم يتصور معظم الثوريين، من مفكرين ومثقفين وسياسيين ان الربيع الذي عمّد بدم الشهداء والأبرياء سيؤول الى ما آل اليه. كانت الأحلام كبيرة، اكبر من الواقع نفسه ومن قدرته على الاحتمال. إنها الأحلام التي اتيح لها اخيراً ان تخرج الى الضوء بعدما عاشت مقموعة طوال عقود، تحت نير الأنظمة الديكتاتورية وسلطات الزيف والفساد وسطوة الإيديولوجيات والفكر الظلامي. وبقدر ما كانت احلام الثائرين والمتمردين نقية وصافية كانت خيباتهم عظيمة. ليست هي خيباتهم وحدهم، بل خيبات جماعات وطبقات وفئات، خيبات اجيال تنظر الى الأمام، خيبات أوطان ومدن وقرى. كانت الثورات ثورات بشر وأمكنة، ثورات شباب ومدن وأحياء، ثورات ميادين وساحات.
كان لا بد للأدب الجديد، أدب الربيع العربي ان يحلّ في موقع الشاهد. لم يكد يتنفس الشعراء والروائيون الصعداء حين اندلعت بوارق الثورة حتى راحت أنفاسهم تتقطع وصدورهم تضيق. شاهدوا الربيع العربي يُذبح امام عيونهم مثلما ذُبح البشر في وضح النهار وأمام الكاميرات. قُصف الربيع العربي مثلما قُصفت المدن والقرى والأحياء والبيوت. بدا الربيع ضحية من الضحايا التي سقطت تحت قذائف الأنظمة والجماعات الظلامية، تحت وابل رصاص العسكر والإرهابيين. اختلف هؤلاء جميعاً في ما بينهم وتقاتلوا وتذابحوا، لكنهم اتفقوا جميعاً على قتل الربيع وسحقه. كان الربيع في الوسط مثل الأسير المفرد يتلقى الضربات من هنا وهناك، من جيش الأنظمة ومجاهدي الأصوليات الظلامية.
لم تشهد الحركة الشعرية والروائية في العالم العربي ما شهدته وتشهده الآن من ازدهار وفوران وأجيج. هذه ظاهرة كان لا بد من ان تبرز وتخرج الى العلانية. الجميع يكتبون. الجميع يريدون ان يعبّروا عما يعيشون من احوال غامضة وقاتمة. الجميع يريدون ان يطرحوا الأسئلة ويسعوا الى الإجابة عنها مع علمهم ان الأسئلة ستظل اسئلة بلا اجوبة. في مثل هذه الحقبات يغدو من المألوف ان تزدهر الكتابة، أياً تكن قيمتها. خلال الحرب العالمية الأولى كتبت في اوروبا صفحات هائلة. لم يكن مهماً ما الذي سيبقى منها، وما بقي ليس كثيراً. لكنّ هذا الكم الكبير الذي يتراكم روائياً وشعرياً وقصصياً في العالم العربي سيبقى منه، كثير ام قليل، لا يهمّ. وجد الروائيون والشعراء لا سيما الشباب والجدد ضالتهم الوجودية في أتون الاختبار الكتابي، وكان عليهم ان يكتبوا. إنهم يريدون ان يقولوا ما يبغون قوله. وليكن هذا القول ما يكون. الكتابة خشبة خلاص ولو موهوماً كان او موقتاً. وفي مثل احوال الاضطراب هذه يحتاج المرء ان يؤكد هويته وانتماءه.
ادب الربيع العربي الذي كُتب ويُكتب لم يبق ادب ربيع، هو أدب ربيع وخريف في آن، أدب حلم وخيبة. وقد تمثّل حال الاختلاط هذه إحدى الخصال التي سيتسم بها هذا الأدب الجديد.