محمد مكية والعشق السومري

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات – يعد الفضاء المعماري جزءا أساسياً من مكونات العمارة فبداية ظهوره تجسدت بشكل أولي منذ بدأ الإنسان في بناء المأوى الأول تحقيق بعض المواد التي كانت موجودة في بيئته المحلية كأعضاء الأشجار وغيرها من المواد الطبيعية لقطع الحجارة وقبلها في المراحل الأولى استطاع توظيف الكهوف لأغراض السكن، امتزجت عناصر الفضاء الأساسية كالسقوف والجدران بشكل طبيعي لتكون وحدة الفضاء والعراقيون القدماء جمعوا الفنون بأنواعها كافة بل هم من أوائل صناع الحضارة.
فكانت لهم مدينة مهمة في بلاد ما بين النهرين زقورتها التي ما تزال في عقرقوف والفناءات المتعددة منيرة لعمارة وادي الرافدين محمد مكية المهووس برائحة الطقوس السومرية وابتكاراتهم التراثية التي بقيت آثارها حية في بيوتنا العراقية مثلما ذهب إليه مؤلف الكتاب الأستاذ معتز عناد غزوان بان كثيراً من الشواهد الحياتية ما هي إلا ترابط عضوي من الحضارات العراقية القديمة وإذا أردنا الولوج في المتشابهات التقريبية لوجدنا مؤلفات تتبوأ جملة المكتبات ويركز الدكتور محمد مكية في طروحاته الفكرية على ضرورة استعادة (ذاكرة المكان) أو ما اسماها (سومرية الوطن) التي أراد فيها أن يواجه التشويه الذي أزال التراث إذ تطرق إلى الخطأ الكبير في إزالة البيوت البغدادية القديمة أو البيوت التراثية في بعض المحافظات العراقية، من اجل مشاريع قد تؤدي إلى اندثارها وتلاشيها بالكامل كما دعا الدكتور مكية إلى أن رسالة الفنان والمهندس المعماري هي رسالة إنسانية تنطلق إلى العالمية ولا تتمسك بالإقليمية إلا في مجال واحد يعطي تميزاً وهو التراث الإنساني فهو يدعو إلى تأسيس مركز عراقي ثقافي متخصص يهتم بهذه الأمور ويجعل من أولوياته الحفاظ على الموروث المعماري والرموز البغدادية الأصيلة أو العراقية السامية التي أغنت العالم اجمع بمفرداته الإنسانية محمد مكية قطعة روحية من خلاصة الخليط الحضاري الإنساني وما عدته المساحة السومرية التي تمتد عبر دائرة الزمان والمكان لترسم ملامح تقاليدنا وعاداتنا بل حتى أشياءنا البسيطة محمد مكية المنارة الشامخة في الهندسة المعمارية أتم دراسته الأولية في كتاتيب بغداد ودراسته القانونية في المدرسة النظامية ببغداد لينتقل بعدها إلى بريطانيا العام 1938م ليدرس الهندسة المعمارية في جامعة ليفربول في التصميم المدني لينال درجة البكالوريوس العام 1941 حصل على الدبلوم في التصميم المدني في الجامعة نفسها أما الدكتوراه فقد حصل عليها العام 1946 في جامعة كامبردج البريطانية وكان موضوع أطروحته تأثر المناخ في تطور العمارة في منطقة البحر المتوسط اختير خبيراً في الأمم المتحدة العام 1951 كما انتخب رئيساً لجمعية التشكيليين العراقيين في بغداد العام 1958 وانتخب عضو بالمجلس الدولي للنصب التذكارية في روما بعد ذلك عاد إلى بغداد ليقوم بتأسيس القسم المعماري ويدرس الهندسة المعمارية في كلية الهندسة، حياة مفعمة بالحيوية والنشاط والإبداع على مدار سنواته التي تجاوزت التسعين كأشجار الصفصاف والصنوبر البري كلما طال زمانه ازداد القاً وجمالية مثل جامع الخلفاء الذي جمله برمزية تعبر عن إعلاء حكم الله وهي احد عناصر العمارة الإسلامية وليشكل تاريخاً لبغداد مدينة المدن ومرجعيات الحضارة والإنسانية الزاهرة ومن عشق محمد مكية للتراث السومري وفي أطروحاته الفكرية على ضرورة استعادة المكان أو ما اسماها سومرية الوطن التي أراد فيها أن يواجه التشويه الذي أزال التراث والخطأ الكبير في إزالة البيوت البغدادية القديمة أو البيوت التراثية في بعض المحافظات العراقية من اجل مشاريع قد تؤدي إلى اندثارها أو تلاشيها بالكامل ولذلك بادر الدكتور مكية إلى تأسيس مركز عراقي ثقافي متخصص يهتم بهذه الأمور ويجعل من أولوياته الحفاظ على الموروث المعماري والرموز البغدادية الأصيلة أو العراقية السامية التي أغنت العالم اجمع بدلالاتها الإنسانية ويستخلص الباحث مرجعية الدكتور مكية والعوامل الإبداعية التي أسهمت في رصانة العمل الفني لديه فالمبدع ابن بيته وابن مكانه الذي ينتمي إليه فهو مرتبط بالمكانية أو الزمكانية كالعلاقة الحميمة مع الإنسان وهي علاقة جدلية بالإنسان من دون مكان والمكان من دون إنسان أو في الزمان فالبعد الرابع والبعد الإلهي السماوي والبعد الزمني.
فالكل المعماري والفني خضع ولفترة طويلة من الزمن للقواعد والقيم الجمالية لدى الشعوب ففي أوروبا كانت النسب الجمالية الإغريقية ولا تزال هي التي تتحكم بشكل الناتج المعماري الفيلسوف (هيدغر Heidegger) يعرف العمل الفني بأنه شكل له قيم جمالية ويذهب آخرون إلى أن الشكل يحوي الفنون جميعها وبه تتحدد الخصائص والمعنى يتكون من قيم وهذا إشارة إلى ترابط الشكل بالمعنى فهي علامة متبادلة متصلة ومستمرة بين الشكل الخارجي للتصميم وبين المضمون الفكري والإنساني أو المعنى ودلالاته