أبو الطيب المتنبي لم يكن متكسبا / محمد الزعبي

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

دار كثير من الجدل حول هذه الشخصية التي تعتبر الأكثر غزارة في تاريخ الشعر العربي، والأكثر إبداعاً، وقد ظهر على السطح مؤخراً اتهامات للمتنبي بأنه استغل موهبته الشعرية لجني المال فقط، لكننا نرى عكس ذلك تماما، ولا يمكننا اعتبار المتنبي متكسباً من شعره والدليل: 

أولا : 

معرفتنا بشخصية المتنبي عالية ” الأنا ” تنفي تماما عنه صفة التكسب المقترنة عادة بالتذلل ومهما قدمنا المتنبي في أي محفل فلا أبلغ من تقديمه لنفسه حين يقول  :

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي    وأسمعت كلماتي من به صمم 

أو يقول  : 

 

الخيل والليل والبيداء تعرفني        والسيف والرمح والقرطاس والقلم 

 

فكيف يكون متكسبا صاغرا من كان بهذه الهمة والثقة بالنفس ؟

 

ثانيا :

حتى في طفولته حيث ينصرف الأطفال عادة إلى اللهو واللامبالاة نجد المتنبي يخترق ناموس الطبع ليصدح قائلا في لهجة تحدٍ قفز من خلالها على عمره الطفولي :

 

أيّ محلٍ أرتقي ؟ أي عظيم أتّقي ؟ 

وكلّ ما خلق الله ومالم يخلق 

محتضرٌ في همتي كشعرةٍ في مفرقي 

 

يا لكبرياء أبي الطيب وعزة نفسه منذ نعومة أظفاره 

حين يقول أيضا : 

 

ودهر ناسه ناس صغــــارٌ     ولو كانت لهم جثث ضخام 

وما أنا منهم بالعيش فيهم      ولكن معدن الذهب الرّغــام 

 

 

 

 

ثالثا : 

طموح المتنبي أسمى من أن يقبل فكرة التكسب والعطايا والمال ، بل إنه يرقى به إلى طلب ما هو أسمى من ذلك .

 يقول : 

أريد من زمني ذا أن يبلّغني    ما ليس يبلغه من نفسه الزمن 

 

رابعا : 

لم يكن المتنبي متكسبا والدليل أنه عندما التقى ببدر بن عمار نَعِمَ عنده فترة من الزمن ثم أحس بالملل وشعر بأنه لم يلتق الفارس الذي كان يبحث عنه ليشاركه في تحقيق أحلامه وآماله ثم تركه .

فهل المتكسب ينتقي ممدوحه أم يبحث عن المال والتكسب ؟

 يقول : 

وما شكرت لأن المال فرّحني    سيّان عنديَ إكثار وإقلال 

 

خامسا : 

تصرف المتنبي أثناء إقامته عند  سيف الدولة تسع سنوات متصلة أكبر دليل على عدم تكسبه لأنه : 

أ – لم يمدح أحدا قط سوى سيف الدولة مع أنه كان بإمكانه أن يفعل ويتكسب في تلك الفترة .

ب- اعتبر نفسه شريكا لسيف الدولة في الفكر والنضال . 

ج – كان يفخر بنفسه أكثر مما يمدح سيف الدولة . 

 

يقول بين يدي سيف الدولة : 

سيعلم الجمع ممن ضّم مجلسنــــــا        بأنني خير من تسعى به قدمُ 

وأيضا : 

 

ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي     أنا الثريا وذان الشيب والهرم 

 

 

سادسا : 

المتنبي كان أقرب إلى وزير إعلام أو فضائية ذات توجه قوميّ عربيّ كان تقربه من الحكام ومديحهم يهدف إلى تعريفهم بتوجهه وإنهاضه لهممهم وحثه إياهم على دحر عدوّهم ومنعه من التحكم ببلادهم . 

يقول : 

 

ليس إلاك يا عليّ همـــــــام           سيف دون عرضه مسلــــــول 

كيف لا تأمنُ العراق ومصر     وسراياك دونها والخيـــــــــول 

أنت طول الحياة للروم غـاز      فمتى الوعد أن يكون القفول ؟

 

 

سابعا :

 كان المديح فناً شعرياً معترفا به في إطار النظام العام للشعر العربي وركنا من أركانه ولم يكن ممجوجا كما هو الآن في عصرنا الحاضر . وكانت عطايا الممدوحين تعبير ا ً عن استحسانهم للشعر مما يرفع من معنويات الشاعر ويكسبه الشهرة فأموال المتنبي فنيت وشهرته بقيت خالدة ، لكن الشهرة والعظمة لها ثمن : 

يقول : 

 

ذريني أنل ما لا ينال من العلى      فصعب العلى في الصعب والسهل في السهل 

تريدين لقيان المعالي رخيصة      ولابدّ دون الشهدّ من إبر النحـــــــــــــــــــــل 

 

ثامنا : 

كان لدى المتنبي أنف فطري يبعده عن مفهوم التكسب والتذلل ومن ذلك اشتراطه على سيف الدولة بأن ينشده وهو قاعد ، وألا يقبّل الأرض بين يديه ، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك ورأى أن جميع الخلق يقفون تحت أخمصيه ( الأخمص : باطن القدم ) .

 يقول : 

 

ضاق ذرعاً بأن أضيق به ذرعــا      زماني واستكرمتني الكرام 

واقفا تحت أخمصي قدر نفســـي      واقفاً تحت أخمصي الأنــام 

 

تاسعا : 

مفهوم التكسب ينطوي عادة على ذل ّ النفس ، إذ يكون المتكسب صاغرا لممدوحه مكبوح جماح العزّة وهذا لم يكن عند المتنبي مما ينفي فكرة التكسب لديه .

يقول : 

 

ولا أقيم على مال أذلّ بــــــــــه            ولا ألذ بما عرضي به درنُ 

 

ويقول أيضا : 

واطلب العزّ في لظى ودع الذلّ            ولو كان في جنان الخلــــود 

 

عاشرا : 

وإن كثرت الأقاويل في مدحه  لكافور فإن المتنبي لم يكن متكسباً مالاً لأنه كان في غنى عن المال ولكنه كان طالباً للمجد والملك إذ يعلنها صراحة لكافور ، لأنه كان يرى أحقية نفسه بالملك .

وفؤادي من الملـــــــــوك وإن            كان لساني يرى من الشعراء 

ويقول : 

وغير كثير أن يزورك راجـــل            فيرجع ملكا للعراقين والــــيا 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى