السيناريست الراحل عبد الحي أديب… بين الكلاسيكية والحداثة

الجسرة اثلقافية الالكترونية
*رانيا يوسف
المصدر / القدس العربي
عبد الحي أديب.. الحاضر البديهة والنكتة، بهذه الكلمات بدأ الكاتب إبراهيم الدسوقي أول فصول كتابه «عبد الحي أديب بين الكلاسيكية والحداثة»، الذي صدر حديثاً عن سلسلة آفاق السينما الهيئة العامة لقصور الثقافة، في محاولة لتحليل خطوات مشواره في فن كتابة السيناريو، الذي امتد على مدار 50 عاما، السيناريست الراحل عبد الحي أديب (22 ديسمبر/كانون الأول 1928 – 10 يونيو/حزيران 2007) ، يعد أحد أهم كتاب السيناريو في تاريخ السينما المصرية منذ بداياته عام 1958، رسم لنفسه خطاً إبداعياً يميزه عن باقي ابناء جيله.
يشير المؤلف من خلال رؤيته الشخصية وقراءته لسينما عبد الحي أديب بالإضافة إلى مجموعة من الحوارات التي أجراها في السابق مع السيناريست الراحل، إلى الدور الذي لعبته البيئة التي ولد فيها أديب على تكوينه الذي ارتبط بفن السينما، وأسهمت عدة عوامل اجتماعية على نمو هذه الذائقة معه على مدار سنوات شبابه، حيث كان يداوم على مشاهدة الأفلام السينمائية من شرفة منزل شقيقته، التي تطل على إحدى قاعات السينما الصيفية، والتي أتاحت له توفير مشاهدة يومية لكل الافلام الحديثة التي كانت تعرض فيها، خاصة أعمال شارلي شابلن، ويؤكد المؤلف على دعم عائلة أديب له، خاصة والده الذي شجعه على متابعة العروض السينمائية، كما ساعده التحاقه بفريق التمثيل في المدرسة على التعرف على مفردات صناعة الفيلم السينمائي، ويؤكد أديب في حوار له مع مؤلف الكتاب، أن المخرج الراحل أحمد بدرخان شكل وعيه الفني، وكان أول من فتح هذا العالم الساحر أمامه، خاصة بعدما التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وبدأ بدراسة نصوص المسرح العالمي، حيث أسهم الفنان زكي طليمات صاحب التأسيس العلمي لخلق النموذج الفني والمهني في طلاب هذه المعهد ذلك الوقت، ويضيف أديب: «تعلمت الفن الحقيقي من رواد لا نزال مدينين لهم بكتاباتهم وأعمالهم الفنية».
ويحيل المؤلف شخصية عبد الحي أديب في كتاباته السينمائية إلى قدرته على اختيار المكان الرئيسي للأحداث، ليدفع فيه أحداثه وشخصياته إلى الصراع معاً ليصل بهم إلى وحدة الزمان، في فيلم «باب الحديد» اعتمد أديب على ثراء ذاكرته للمكان الذي كان يطل منزل عائلته عليه، وهي محطة سكة حديد بمدينة المحلة، مستخدماً خياله الدرامي في توصيف شخصيات واقعية تنتمي إلى هذه البيئة، بما فيها من مشاكل وفقر ورغبات وأحلام، ويشير الكاتب إلى أن هذا العمل لم يكن فيلماً من داخل إطار السينما المصرية في تلك الفترة، حيث خرج أديب من إطار الكوميديا الهزلية والموضوعات التي تتعرض للطبقات الارستقراطية أو الافلام الغنائية العاطفية، إلى كشف الحياة البائسة لفصيل كان مهمشا فنياً لسنوات طويلة، لكن الفيلم استقبل بهجوم شديد من جانب الجمهور الذي لم يكن معتادا على مثل هذه الموضوعات الميلودرامية.
بعد الفشل الجماهيري الذي استُقبل به فيلم «باب الحديد» الذي لم يصمد في دور العرض سوي يومين فقط، ابتعد عبد الحي أديب عن صخب المدينة إلى قصة أكثر خيالا عبر شخصية نسائية تبحث عن الغواية في مكان أقرب إلى الصحراء، فيلمه الثاني «امرأة في الطريق»، الذي يقول عنه مخرجه عز الدين ذو الفقار في أحد حواراته، إنه عبر في هذا العمل عن الغريزة التي يحملها كل إنسان في شخصيته، خلق هذا الفيلم أول رابط بين سيناريوهات أديب والجمهور الذي وجد فيه ضالته، فهو ينتهج مبدأ الأفلام السائدة الذي اعتاد الجمهور على مشاهدتها، وكتب الفيلم شهادة ميلاد جماهيرية للسيناريست الشاب.
يوضح المؤلف أن السيناريست عبد الحي أديب فرض اسمه على سيناريو الفيلم السينمائي عام 1958، من خلال لقائه مع المخرج الكبير نيازي مصطفى بعد النجاح الذي حققه فيلمه الثاني «امرأة في الطريق»، حيث تبناه نيازي فنياً وقام بإشراكه في كتابة 4 أعمال سينمائية، فتحت موضوعاتها المختلفة عن النوعية التي كان يتطرق إليها أديب افاقاً أخرى لخياله الإبداعي، لكنه اختزل هذا التأثر وأعاد صياغته بما يوازي موهبته.
دخل أديب مع نيازي مصطفى في نمط أفلام الحركة الذي تحمس لها الفنان فريد شوقي وانتجتها الفنانة هدى سلطان، مثل فيلم «سواق نص الليل» و»ابو حديد» و»سلطان» وغيرها، حيث اضفى عليها أديب روح الحياة الشعبية وتناول موضوعات واقعية وتجسيد شخصيات تلامس الشخصيات الحقيقية التي تدور في بيئتها الأحداث، وتوالت الأعمال بين أديب ونيازي حتى بلغت 36 فيلماً حتي عام 1985، تنوعت بين الأكشن والكوميديا والاستعراض والتراجيديا.
يقتطع مؤلف الكتاب إبراهيم الدسوقي أكثر من ثلاثة فصول يحلل فيها بعض الأعمال السينمائية التي جمعت بين أديب ونيازي مصطفى، والتي تعتبر أهم وأبرز كتاباته السينمائية، عوضاً على مشاركته لمخرجين آخرين، مثل المخرج كمال عطية الذي قدم معه فيلم «سوق السلاح»، وعودته للعمل مرة اخرى مع المخرج يوسف شاهين في فيلم «نداء العشاق»، ومع المخرج محمود ذو الفقار في فيلم «العملاق»، لكن تظل علاقته مع نيازي مصطفى والثنائي الفني الذي كونوا علامة في تاريخ السينما المصرية على مدى 27 عاماً.
اتجه عبد الحي أديب في مرحلة متقدمة من حياته المهنية إلى كتابة النصوص التي تحمل قدراً من الإسقاط السياسي والتي تعكس حالة التدهور التي أعقبت ثورة عام 1952، في عام 1963 قدم اديب مع المخرج توفيق صالح معالجة فنية لنص فيلم «صراع الأبطال» الذي يرصد انتشار مرض الكوليرا في القري المصرية نهاية الاربعينات، ويواصل أديب في فيلمه «العرافة» الذي أخرجه عاطف سالم عام 1981 قصة طالبة وناشطة سياسية تقوم السلطة باعتقالها بسبب أفكارها السياسية، معبراً بهذا النص عن معاناة جيل كامل تعرض للاعتقال أثناء فترة حكم السادات، خاصة طلبة الجامعة المعارضين لسياسات النظام.
يختتم المؤلف كتابه عن الكاتب الراحل عبد الحي أديب بسرد لأهم الأفلام التي شكلت مسارا مهما لمشوار اسم أديب في تاريخ صناعة السينما، التي تنوعت موضوعاتها بين الكوميديا والواقعية والحركة والميلودراما، كما استغل أديب ثراء التاريخ العربي من الحكايات والقصص الشعبية الأسطورية وأعاد صياغتها بما يتناسب مع سوق صناعة السينما في مصر.
في عام 1985 قدم مع المخرج أشرف فهمي فيلم «سعد اليتيم» موضوعه مأخوذ من الموروث الشعبي، ويتناول عصر الفتوات في فترة الأربعينات، لم يغفل أديب أيضا الاقتباس من النصوص الأجنبية، يوضح المؤلف أن الكاتب اقتبس عدة موضوعات من روايات أجنبية قام بمعالجتها وإعادة تمصيرها وإضافة أجواء مصرية حقيقية على أحداثها، كان آخرها فيلم «استاكوزا» الذي أخرجته ايناس الدغيدي عام 1996 عن نص وليم شكسبير «ترويض النمرة».
يشير الكاتب في ختام الكتاب إلى أن أعمال عبد الحي أديب في مجال كتابة السيناريو تجاوزت 93 فيلماً على مدار نصف قرن، متجاوزاً مجموعة من الأفلام أنتجت في تركيا لعدم وجود الأفلام نفسها أو إمكانية الرجوع إليها وتوثيقها.