قراءة نقدية عن قصة بعنوان أحوال الكاتبة : الأستاذة هيفاء المجدلاوي // الأردن الناقدة : الأستاذة رجاء البقالي

الجسرة الثقافية الالكترونية

السيدة التي تجلس على الطاولة التي من يميني تحدث الأخرى وتقول عليك بتركه وتخلي عن أولادك ، كيف يتهمني أنا أمك السبب بخراب بيتك وبيت أخيك من قبلك ؟؟؟ نظرات حائرة نتبادلها ، الرجل الذي يجلس على الطاولة التي من شمالي يقول للآخر كنتَ واثقا من نجاح الصفقة … كيف تدّعي الآن أننا خسرنا كيف ؟؟؟ شريكك ولا أعلم ، نظرات حائرة نتبادلها … الطاولة التي خلفي يجلس عليها رجل وطفلان وامرأة يقول لها : لقد سئمت من حالنا هذا غلاء فاحش ، وأنا عاطل عن العمل لم أوفق بإيجاد أية وظيفة لا بد من سفري بأقرب وقت .. ماذا سأفعل ؟؟؟؟ نظرات حائرة نتبادلها ، الطاولة التي أمامي يجلس عليها شاب وفتاة يقول لها : أحبك اتخذت قراري سأطلب يدك من أهلك تبتسم وتقول له: لا تتعجل ما زلنا نريد وقتا أكثر لنتعرف على بعضنا ، نظرات حائرة نتبادلها ، النادل يوقظ شرودي ويقول سيدتي … تحتسين القهوة وحدك أليس لديك رفيق ؟؟؟؟؟
***********************************************

النص اختزال للعالم في وعي امرأة
ضحت بوعيها بذاتها في سبيل الإستماع
للآخرين ، لكنها في الحقيقة ، و هنا المفارقة تصنع ذكرى ، جزء من ذاكرة ، ستشكل ذلك المتخيَّل الذي سبفد على الوعي في أي لحظة ..
التضحية هنا اضطرارية ، في ظل وحدة تعانيها ، أو شعور بالغربة ، كأنها أتت من كوكب آخر ، تسترق السمع لتتعرف إلى نماذج من مشكلات الوجود البشري
هي محاولة للذوبان في عوالم ، لنسيان عالمها الخاص ..
و بذلك تكشف بتنصتها إلى من حولها ، عن علاقات اجتماعية يطبعها الصراع ، تكشف ايضا عن أسس سيكولوجية و ثقافية ..
– المشهد الأول :
صراع أسري ، الأم مع زوج ابنتها ، و سعيها إلى تحطيم زواجهما ، بدفع ابنتها لتركه و التخلي عن أولادها
و هو ما فعلته مع أخيها ،
كل ذلك لأن هذا الزوج يتهمها بأنها تفرق بينه و بين زوجته ، كما فعلت مع أخيها
الأساس هنا سيكولوجي ، قد يكون عقدة منسية في اللاوعي منذ الطفولة ، تدفع هذه المرأة إلى تكسير أي علاقة ناجحة بين رجل و امرأة ، و لو كانت لولديها ، و لو على حساب الأبناء
هي انتقام لحالة مشابهة فقد تكون عانت منها في طفولتها ..
– المشهد الثاني يضرب في عمق أخلاقي اجتماعي اقتصادي و نفسي أيضا
عدم الثقة بين الشريكين ماليا ، أساسها المكر و التحايل و الكذب
و هذا مظهر لانحلال العلاقات الإجنماعية أيضا بانحلال القيم الأخلاقية النبيلة المؤسسة لنجاحها ، و هو الأساس للإنحلال الإقتصادي أخلاقيا ، لكن من وجهة نظر براغماتية نفعية فلأمر
يبدو عاديا ..
– المشهد الثالث : رب الأسرة العاطل عن العمل يؤكد لزوجته و أطفاله ضرورة السفر إلى مكان آخر للعمل لجلب الرزق
و هي الظاهرة التي تلقي بظلالها على كثير من الأسر العربية ، حيث تدفع إلى الهجرة طلبا للرزق ، مخلفة مشاكل نفسية و اجتماعية كبيرة تكون لها انعكاساتها السلبية على المجتمع ..
ثم المشهد الأخير
شوق يعصف بالشاب يدفعه لاستعجال الزواج من حبيبته ، لكنها تطلب مزيدا من الوقت ، لتعرفه أكثر كما قالت له
و ربما انتظارا لفرصة أخرى

أربع مشاهد ، خشبتها أربع طاولات ، في مسرح صغير ، المقهى ، ضمن المسرح الكبير : الحياة ..
أبطالها ، شخصيات قلقة ، مضطربة
نفسيا و اجتماعيا و اقتصاديا ، في غياب مرجعية قيمية أخلاقية و دينية ..

و تلك العين اللاقطة ، المتلهفة على كشف عوالم هي في الأساس عالم
واحد ..
تلك التي منحت وعيها للحظة ، تكاثفت فيها المشاهد في شعور القلق الذي هوذاته عند البطلة ..
لكنه عندها تبلور في تأزمها و شعورها بالوحدة ، و رغبتها في الهروب من ذاتها التي تؤرقها الى الإرتماء في ذوات آخرين ..
الكراسي و الطاولات ، لها دلالاتها التي تحيل على التبات و العبثية في مسرح الحياة الكبير ، داخل حركية تتمثل في تعدد الجالسين و اختلاف انتماءاتهم و أدوارهم و درجات وعيهم ..
لكنها حركة وهمية في إطار ما يغلفها من نمطية و عبثية ..
حركة اختزلها و عي امرأة في لحظة عابرة / تابتتة تتكرر أيضا ..
تتكرر في المجتمع ، و في وعيها كذكرى كصور متخََّيَّلة ، ستلاحقها ..
سرد موفق نجح في عرض مشاهد سينيمائية ، بطلها الحياة في وعي امرأة هربت من ذاتها لتجدها بين الآخرين ، في علاقة بين الأنا ، الذات ، و الغير ،
الآخرين و العالم ..

فالغير كان ضروريا لوعي هذه البطلة بذاتها ، و هنا المفارقة ..

سؤال النادل :ليس لديك رفيق ؟
لم يكن ضروريا في تصوري ، فوحدتها تجلت بوضوح في محاولتها التقاط عوالم المحيطين بها ..
و حتى لو كان معها رفيق على نفس الطاولة ،
هي وحيدة ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى