بثينة العيسى تجوب دهاليز الاتجار بالأعضاء في ‘خرائط التيه’
الجسرة الثقافية الالكترونية
في عمل فذ ونادر هو “خرائط التيه” وفي سرد أخاذ وتفاصيل محركة مقلقة في اطباقها المؤثر على الأنفاس تأخذ الكاتبة الكويتية بثينة العيسى القارئ إلى جهنم عالم الاتجار بالاعضاء البشرية وعندما تعيده من هذا العالم يبقى في نفسه منه آثار لا تمحى بسهولة.
والرواية هذه دون شك تدخل القارئ إلى عالم من الظلمات ندر أن عالجه روائيون كما فعلت بثينة العيسى، عالم يجعل الواحد منا يتساءل برعب عن قيمة الإنسان في بعض مناطق العالم حيث يتحول إلى سلعة ومصدر ثروات لشبكات رهيبة.
هذه الشبكات “متعددة الجنسيات” والكاتبة هنا توجه اتهاما رئيسيا إلى إسرائيل بأنها عصب محرك لهذه العمليات ومنسق رئيسي لها.
وترسم الكاتبة مناطق عمل هذه الشبكات في كلام على غلاف الكتاب كان قد ورد متفرقا في المتن، وذلك من خلال مناطق تحرك عائلة كويتية خطف ابنها ذو السنوات السبع من العمر وسعيها اليائس إلى العثور عليه رغم عرضها فدية بمليون دولار أميركي.
تقول “نبيع كل شيء ولا مال لدينا لنشتري أنفسنا. ماذا لو كانت قيمة الإنسان ميتا أغلى من حياته؟”
اصطحبت العائلة ابنها معها لأداء فريضة الحج في مكة. خلال تحرك العائلة أي الأب والأم والولد وسط أمواج من الحجيج قدر عددهم بثلاثة ملايين حاج أفلت الولد مشاري من يد والدته واختفى.
وجاء في وصف مشهد ضياع الابن “كان الزوج يسير أمامها وهي ممسكة بيد الابن. اصطدم بها وفد آسيوي يسير متماسك الايدي. انفكت يده من يدها. شعرت سمية بكتفها تكاد تنخلع وبجسدها ينقذف إلى الامام خطوتين. تعثرت بطرف عباءتها. عندما استعادت توازنها واستقامت واقفة لم تره. تلفتت حولها كان قد اختفى”.
“نظرت سمية حولها. كان الطوفان البشري يجيش ويجرفها في أمواجه صارت تصرخ مشاري مشاري لا تتحرك لا تتحرك ابق مكانك. ثم حين تذكرت انه يمكن ان يدهس حتى الموت صارت تردد مشاري مشاري امش .. امش امش”.
أما فيصل زوجها فكر “أن يتبع التيار لا شك وانه جرف مشاري الهزيل الصغير الهش ما أسهل أن يجرفه نهر بشري. أخذ يعدو بين الجموع يعدو ويصرخ. سمية أيضا مثله صارت تعدو وتصرخ. اصطدما بعشرات الاظهر والاذرع. حصدا اللطمات والصفعات على وجهيهما. واصلا الركض. ركضا من قلبيهما اطلقا صرخات مذعورة وكأنهما يهويان في جهنم”.
خطفت امرأة أفريقية ضخمة الولد وخدرته وأخذته إلى مكان التقت فيه بزملاء لها ومعهم مخطوفون آخرون من الاولاد الأفارقة إذ كان مشاري هو الأبيض الوحيد بينهم وكانت عادتهم هي خطف السود لأنهم من بلدان بائسة وليس ثمة من يسأل عنهم. أما خطف الولد الكويتي فقد أحدث ضجة في البلد والمحيط.
نقل الولد إلى عسير ثم سعى خاطفوه إلى نقله مع الآخرين إلى سيناء حيث كانت تجري عمليات التسلم والتسليم. تسليم المخطوفين الجدد وتسلم جثث الذين انتزعت اعضاؤهم لحملها إلى الصحراء واخفائها فلا يسال أحد عنها.
جاءت الرواية في 405 صفحات متوسطة القطع وصدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت.
وبثينة العيسى ولدت في الكويت في 1982 وهي حاصلة على شهادة الماجستير في إدارة الاعمال ومن أعمالها الروائية “ارتطام لم يسمع له دوي” و”سعار” و”عروس المطر” و”تحت أقدام الامهات”.
اسلوب الكاتبة عميق في دقة تفاصيل محركة وموحية وبايقاع شعري يمسك بالقارئ ويجذبه بشدة إلى متابعة القراءة فلا يسهل عليه ترك الكتاب.
وبعد الانتهاء من الرواية فقد يبقى القارئ أياما كأنه يعيش في اجوائها التي تتشبث بذاكرته بالم وحزن. وصفها لشقاء الأم والأب وهما يفتشان عن الابن الضائع وسط حشود الملايين من الحجاج ينقل القارئ إلى جو كابوسي تضيق له الأنفاس.
المصدر:ميدل ايست أونلاين