«غونكور» لماتياس إينار.. «البوصلة» جسر بين أوروبا والشرق

الجسرة الثقافية الالكترونية
اسكندر حبش
«أحد أهدافي (في هذه الرواية) هو النضال ضد هذه الصورة المبسطة التي نتوهمها عن الشرق المسلم العدو».
ماتياس إينار
حين أعلنت أكاديمية غونكور مع بداية أيلول الماضي لائحتها الأولى بأسماء المرشحين لجائزة هذه السنة، تحدث الجميع عن رواية «2084» للكاتب الجزائري بوعلام صنصال على أنه من أكثر المرشحين حظاً للفوز بجائزة هذا العام، إذ كانت موجودة على جميع لوائح الجوائز الأدبية الفرنسية الكبيرة في هذا الخريف. بيد أن المفاجأة كانت حين نشرت أكاديمية غونكور لائحتها الأخيرة (من متحف برادو في تونس)، والتي ضمّت 4 أسماء، إذ تمّ استبعاد صنصال الذي فاز قبل أيام بجائزة الأكاديمية الفرنسية الكبرى للرواية. من هنا، عادت التكهنات لتصب أكثر في مصلحة ماتياس إينار عن روايته «البوصلة» (منشورات أكت – سود).
لم تخب الرهانات بعد ظهر أمس إذ كللت الجائزة الكاتب الفرنسي الشاب (43 عاما) عن «بوصلته»، وأكثر من هذا نجد أن فوز إينار جاء عبر جولة الاقتراع الأولى ما يدل على أن أعضاء لجنة التحكيم كانوا شبه متوافقين على اسمه، مستثنين الروائيين الآخرين: توبي ناتان، وناتالي أزولاي وهيدي قدور.
فوز إينار بالجائزة أثار موجة ارتياح عند الصحافة والكتّاب الذين أثنوا على كتابه منذ أن صدر في المكتبات، معتبرين أنه من الكتّاب النادرين جداً اليوم، الذين يولون هذه الأهمية للأسلوب. بهذا المعنى يمكن القول إن إينار أسلوبي حقيقي، إذ من يتذكر روايته «زون» التي جاءت في 500 صفحة تقريباً وهي مكتوبة من خلال جملة واحدة وحيدة، من أول الكتّاب إلى آخره.
ولد الكاتب في منطقة «نيور» (العام 1972)، بيد أن أجواء أدبه تبعد كليّاً عن منطقته وبيئته، إذ عُرف عنه ارتباطه بمنطقة الشرق الأوسط الذي يحضر في غالبية كتبه، مع ما تشكله هذه المنطقة من حروب وأزمات، عالجها من نقطة انطلاق إنسانوية، ليعيد رسم خارطته «الحُلمية» عن هذه المنطقة. في أي حال ارتباط إينار بهذه المنطقة ليس ارتباطاً عابراً، إذ إنه درس الفن الاسلامي في «مدرسة اللوفر» قبل أن يعيش مطلع حياته لمدة خمس سنوات في بيروت ـ التي شكلت خلفية روايته الأولى «دقة الطلقة» ـ وهو يجيد العربية بشكل ممتاز (نقل الكثير من الأدب العربي إلى اللغة الفرنسية ولعل أبرز ذلك مختاراته من شعر أبي نؤاس) كما ترجم من الفارسية التي يجيدها بإتقان (تعلمها في معهد اللغات الشرقية بباريس (الاينالكو). بالإضافة إلى ذلك أنه بدأ باكتشاف الرواية في بيروت حين قرأ الروائيين اللبنانيين الذين شكلوا له نقطة علاقته بالأدب (راجع الحوار مع ماتياس إينار في «السفير» بتاريخ 26 ـ 10 ـ 2004).
تبدو كلمة «الحُلمية» واحدة من الكلمات التي تشكل فضاء الكاتب، وهي هذه الحالة التي نجدها في روايته الأخيرة الفائزة «البوصلة» التي اعتبرتها صحيفة «لوفيغارو» «سبر أغوار حلمية رائعة للاستشراق». الاستشراق هنا، ليس سوى هذا الحلم الذي يرويه إينار حول قصة سهد، هو سهد فرانتز ريتر، عالم موسيقي شاب، مهووس بذكرياته التي قضاها في الشرق. كان يمضي غالبية لياليه في تجواله «الحلمي» بين آثار مدينة تدمر القديمة ـ (ربما يجب التنويه بمقالة إينار الرائعة التي نشرها في ملحق «لوموند» للكتب، الجمعة الماضية، عن مدينة تدمر وما جرى من دمار فيها) ـ كما بين شوارع حلب وآثارها وصولاً إلى اسطنبول. ربما كان بهذا المعنى يعيد تشكيل هذه المدن السورية التي أصابتها الحروب الدائرة اليوم، ليعيد تقديم تلك الحضارات التي تُهدم. بهذا المعنى نفهم جملة «لوفيغارو» في وصفها الكتاب: «يرسم ماتياس إينار كتابه مثل فنان، بمعية العربسات الكبيرة. لهذا يمتزج سرده بروح ريتر»، أو كما تضيف الصحيفة عينها: «يمكن لنا أن نقرأ البوصلة على أنها جسر ما بين أوروبا والشرق». من جهة أخرى، وبعد دقائق من إعلان غونكور، أعلنت جائزة رونودو للرواية (وهي التي يصفها النقاد بغونكور المضادة) وحازتها الروائية دلفين دو فيغان (49 عاماً) عن روايتها «عن قصة حقيقية» وهي الرواية التي تشهد إقبالاً كبيراً من القراء كما تصفها الصحف الفرنسية، وتروي سيرة امرأة كاتبة «ونضالها» من أجل التخلص من أفضل صديقة لديها.
المصدر: السفير