آلان غريش.. ضد «الإسلاموفوبيا»
الجسرة الثقافية الالكترونية
اسكندر حبش
ثمة أحداث تشكل حياتنا من دون أن نعرف، تَسِمُنا وتبقى ملتصقة بنا إلى آخر حياتنا. قد تصح هذه المقولة مع الصحافي والكاتب الفرنسي آلان غريش ـ الذي بالرغم من «فرنسيته» ـ يبقى، في جزء منه، «عربياً» وقريباً من أحداث العالم العربي التي لا تبدو غريبة عنه. فهو من مواليد مصر العام 1948 من أم ولدت في سويــــسرا (ومن أصل روسي)، لكن أباه «الحقــيقي»، المولود في القاهرة العام 1914، لم يكن في الواقع سوى هنري كورييل المناضل الشــــيوعي والأممي الذي اغتيل في باريس في العام 1978، أضف إلى ذلك أن أباه بالتبني كان بدوره قبطياً مصرياً.
كلّ شيء في هذا المسار، جعله قريباً من هذه البقعة من العالم، بالأحرى لم يخرج غريش من هذه البقعة التي بقيت في خلفية الكثير من تفكيره ومن كتاباته، لدرجة أنه «يُتهم» أحياناً بوقوفه إلى جانب كثيرين من القوى السياسية والفكرية التي تقف على تضاد مع «المؤسسة» الرسمية في بلاده، وبخاصة أنه كان أحد كبار الصحافيين إذ استلم رئاسة تحرير «لوموند ديبلوماتيك» لغاية العام 2005، قبل أن يصبح مديرها المساعد بين عامي 2008 و2014، قبل أن يتقاعد من «العمل اليومي»، وإن كان ذلك لا يعني التقاعد عن التفكير والكتابة.
آلان غريش يحلّ اليوم (الأربعاء) «ضيفاً» على «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، للحديث عن كتابه الأخير «الإسلام والجمهورية والعالم» الصادرة ترجمته عن «دار الساقي» (نقله إلى العربية جلال بدلة) في حوار مفتوح مع الزميلين سامي كليب وبيار أبي صعب ووليد شراراة (]).
ليست المرة الأولى التي يتناول فيها غريش قضايا الإسلام والإسلاميين والحركات الأصولية، يكفي أن نذكر كتاب الحوارات الذي نشره سابقاً مع طارق رمضان (على سبيل المثال) وغيره العديد من دون أن ننسى المقالات المتنوعة. في أي حال، يأتي كتابه هذا بمثابة محاولة للخروج من حالة «الإسلاموفوبيا» التي تعيشها فرنسا، حيث أن جزءاً كبيراً من اليسار هناك يتساءل إن كان يمكن الحديث عن هذا الموضوع.
ربما تجدر ملاحظة أمر مهم: صدر هذا الكتاب قبل أحداث 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، بهذا المعنى قد تطرح هذه الأحداث الكثير من إعادة التساؤل عمّا جرى، أو بالأحرى قد تأخذ هذه الأحداث إلى تساؤلات جديدة قد تكون مخالفة لما طرحه غريش في مؤلفه هذا.
يبين غريش في «الإسلام والجمهورية والعالم» أن ثمة «إسلاموفوبيا» حقيقية تجتاح الغرب وهي واقعية بدون شك، لكن هذا الرعب من الإسلامويين موجود منذ قبل أحداث 11 أيلول، وهو ليس في الواقع سوى إرث الكولونيالية وهيمنة القوى الامبريالية على الشرق الأوسط، إلا أن الرئيس الأميركي السابق بوش، استغل الأمر ليجعل منه المبرر الأول لحروبه المتنقلة. صحيح أن فرنسا كانت تعارض الحرب على العراق، لكن لا نســـتطيع أن ننســـى أن غالبية الحكومات المتعاقبة في فرنسا كانت تمـــلك رؤية بوش وشــاركت في «الحرب على الإرهاب».
في أي حال «ثمة شبح اليوم يؤرق الغرب هو شبح الإسلام» فيما لو حورنا الجملة الافتتاحية من البيان الشيوعي». ثمة أكثر من ذلك: الأرق الفعلي، فيما لو جاز القول، هناك معركة حقيقية تخاض «ضد الدول المتحضرة»، وفق العديد من مفكري الغرب ومنظريه. على هذا التضاد يقف آلان غريش في كتابه الأخير، لا كمدافع عن الحركات الإسلامية، بل انطلاقاً من رؤية «علمانية» و «عقلانية» يشكلها الكثير من المسلمين، عبر تنوعهم التاريخي والجغرافي.
أفكار كثيرة، ستطرح الليلة بدون شك على آلان غريش. وربما يمكن القول من الآن إن الحوار سيكون شيقاً، يستحق الحضور.
المصدر: السفير