تابوهات موسيقية

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

شيرين عبده 

 

كان المحظور الموسيقي هو الغزل الصريح والنقد السياسي، والآن يلعب شكل الموسيقى دوراً وتتصل الموسيقى بالغناء، لكن ثمة محظوراً على الموسيقى المستقلة هو التكرار الشائع في الموسيقى التجارية التي تعتمد الإيقاع الراقص والمحظور ان لا تزيد القطعة الموسيقية عن ثلاث دقائق.

كما لكل فن تابوهاته أو مناطقه المحظورة التي تخشى الأغلبية الاقتراب منها، للموسيقى محظوراتها عبر التاريخ. في الأزمنة القديمة اقتصر المحظور من الغناء على نوع الغناء وإن تغير ذلك حسب الحقبة الزمنية، فالغناء الغزلي الصريح الفج كان شائعا في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين في العالم العربي، ثم انتقل إلى خانة الغناء المحظور اجتماعيا والملاهي الليلية ليحل محله الاسكتشات الاجتماعية ثم الغناء السياسي الذي انتقل بعد فترة بدوره إلى خانة المحظور بفعل السلطات الحاكمة التي جعلت من كل ما عدا أغاني الحب – التي استهلكت وأفرغت من معناها – محظورا ولا سوق له يعزف عنه من يريد احتراف المهنة والانتشار فيها.

 

المهنة الشاقة

في العصر الحالي، نتيجة لقلة الفرص المتاحة للتكسب من المهن الموسيقية ومن ضمنها الغناء، يفكر الراغب في دراستها أو امتهانها ألف مرة قبل ارتياد بابها، وإن كانت الغلبة في هذا الأمر للعاطفة المتأججة التي تسكن نفس الموسيقي وتجعله يتغاضى عن بعض الحقائق المتعلقة باتخاذه لهذا القرار، مثل الإطار الاجتماعي الذي يضعه فيه اختياره لهذه المهنة من حيث المكسب المحدود أو النظرة التاريخية والدينية والاجتماعية الدونية بل والمحرمة أحيانا لهذه المهنة في المجتمعات العربية، والجهد المضاعف المحتم بذله للنجاح بما يضع من ضغوط على الشخص الراغب في الممارسة، لذا ليس من الإنصاف التغاضي عن حقيقة أن هذه المهنة في حد ذاتها وهذا المجال أصبح من المحظورات بالفعل، يحارب لاختياره ودخوله من يجد في نفسه الموهبة والطاقة والإصرار ويواتيه الحظ والفرص معا.

اتسعت حدود التابوه مع عصر الموسيقى المسموعة والمرئية والوسائل المتقدمة تكنولوجيا كقنوات عرض للموسيقى لتشمل الشكل المرئي، الآن من يفكر في الغناء أو صناعة الموسيقى لا بد أن يكون شكله مماثلا لما يتم تقديمه وإنتاجه بالفعل عبر الوسائل الجماهيرية المسيطرة، ومن المحظور مثلا أن يخالف الموضة السائدة في الملابس أو يكون صاحب وزن زائد أو يكون أصلع أو مغنية ذات شعر خفيف، كما أن العمل المنتج مرئيا لا يخرج عن عدة اسكريبتات يتم التبديل بينها للتصوير، ويعد الخروج عن أجوائها من المحظورات بالنسبة للمنتج أو الجهة الانتاجية وهي الجو الاحتفالي الراقص، الشاطئ والبحر، السيارة والطريق المفتوح بغض النظر عن مناسبة الأغنية، ما عدا مشاهد الاحتفالات العسكرية والحروب وكورال الأطفال في أغاني المناسبات الوطنية.

أما عند صناعة المنتج الموسيقي فتبدأ العملية في أن تصبح تحديا حقيقيا، الموسيقي الذي يرغب في النجاح الجماهيري وصناعة موسيقى فقط دون غناء لا يمكنه تحقيق الأمرين معا على الأغلب، لأن الذوق العام وهو ما يصنع الجماهيرية وأيضا ما يصنع المحظورات هو ما يحدد ما على الموسيقي عمله، ويضطره إلى التخلي عن معاييره الشخصية الفنية التي تميزه عند إنتاج عمل موسيقي ليتبنى معايير الجماهيرية المرجوة. أصبح من المتفق عليه ضمن العرف في صناعة الموسيقى تجنب ما هو ليس بالأغنية، وحتى عند صناعة الأغنية نفسها ظهرت محظورات داخل العملية: سواء على المستوى التجاري أو المستقل، في ظل سعي الساحة المستقلة والمشتغلين بها إلى الاشتباك مع السوق التجاري والذوبان فيه واكتساب جمهوره، ما اضطر أغلبهم للتخلي عن المحتوى المميز للاستقلال.

اكتفى الموسيقيون المستقلون أغلبهم بالاختلاف الشكلي في شخصياتهم واتبعوا محظورات السوق، فجاءت أغلب الأغاني في نفس الإطار عن الحب، وابتعدت الموسيقى عن أي ايقاع غير راقص. أما داخل عملية التسجيل نفسها فظهرت مخاوف أخرى وتابوهات يحاول الموسيقيون عدم الاقتراب منها، ومنها أن يكون صوت الأغنية فارغا أو غير مجسم وذلك يعوضه البعض بتسجيل عدد كبير من الساحة المستقلة.

آلات في خطوط متوازية مع أن زحام السطور ليس شرطا لجودة المنتج نفسه، وأرسى ذلك لمدرسة الاهتمام بالتوزيع الموسيقي على حساب اللحن والكلمات وجودة المنتج عامة.

ومما يحسب للساحة المستقلة سعيها للابتعاد عن التكرار، سواء داخل الأغنية أو الألبوم في النوع الموسيقي الواحد فتعده محظورا بينما تعتمد الساحة التجارية عليه كعاملها الأول للنجاح، سواء في الكلمات أو الموسيقى أو طريقة ومعايير الإنتاج.

كما يحسب لها البعد عن المحظور في تقديم أغان ذات مضمون انتقادي اجتماعي أو سياسي صريح أو مستتر وهو محظور منعدم تقديمه في الساحة التجارية.

اختلاف آخر لمصلحة الساحة التجارية هذه المرة في اعتمادها على مفهوم المنتج الموسيقي، وهو شخص يحدد الرؤية الموسيقية للعمل وقد يقوم بإنتاج العمل كله رقميا عدا الآلات الحية بينما في الوسط المستقل يقل استخدام هذا المصطلح ويتعامل معه الموسيقيون باعتباره ينحصر في مهام مهندس الصوت دون ثقة كافية لتسليمه المحتوى الموسيقي لهم ليعالجه حتى في حالة عدم وجود رؤية واضحة للمحتوى الموسيقي عند صانعه، وحتى مهندس الصوت لا يتم اختياره على أساس علمي.

 

أقل من ثلاث دقائق

أما فخ أو محظور ألا يكون للمغني أو الفرقة صوت خاص أو بصمة صوتية خاصة بهم فهو خاص بالساحة المستقلة، فقط ويقود أغلب الحالات في الاتجاه الخاطئ للاختلاف الحاد عن شخصيته الصوتية الحقيقية والتصنع.

من المحظورات في الحالتين والتي تسيطر على إنتاج الموسيقى هو صنع أغنية أو قطعة موسيقية أقل من ثلاث دقائق حيث يعتقد أنها لن ترسخ في الذهن إذا كانت قصيرة لهذه الدرجة، وهو معتقد غريب في عصر السرعات الفائقة الذي نعيشه.

كما أن الميزانية الكبيرة المتطلبة لإنجاز العمل هي من محظورات الإنتاج في كل الأحوال حيث يسعى القائمون على العمل لضغط التكاليف إلى أقصى درجة في غير مراعاة لجودة المنتج الفني وإن حرصوا على معايير الجماهيرية.

 

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى