«آباؤنا» لفرقة باباكاس.. العبث والشغف

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات -«آباؤنا» لفرقة باباكاس.. العبث والشغف
 

ضمن فاعليات مهرجان «ربيع بيروت» الذي يشكل تحية سنوية لذكرى استشهاد سمير قصير، شاهدنا مساء الجمعة الماضي، في مسرح بابل ـ الحمراء، مسرحية «آباؤنا» لفرقة «باباكاس» البريطانية التي تعتمد الرمزية الاجتماعية لمعالجة قضية «الأبوة» بشكل حي ومتحرك، ضمن لعبة تمزج فن الكوميديا بالرقص الحديث والسينما، لتعبر بشكل ساخر وانتقادي عن قضية يتخطى موضوعها أي مكان او زمان. لا توجه المسرحية رسائل مباشرة الى الجمهور، بل تجعلنا نتساءل دائماً عما نرى على الخشبة من مفاجآت. ولا تظهر الأبوة في المسرحية بوصفها عبئاً على الأب، بل أيضاً على الابن. هما منشغلان عن بعضهما. الأب يبحث عن لقمة العيش ليقدمها لابنه، ظاناً أن ذلك يكفي لإظهار المحبة للابن. بينما الابن يريد لمسة حنان من والده فقط، تكفيه للشعور بالسعادة. المسرحية لا تنحاز لا للابن ولا للأب، رغم ابرازها معاناة الابن بين الحين والآخر.
والد ميك متوفى. تطلب صوفيا، ابنة أحد أصدقاء والد مايك، أن يصير مايك أباً لابنها. لكن الشخصية الثالثة بيرت، رفيق مايك المثلي، تعترض على هذا الموضوع. صوفيا، التي تشارك مايك وبيرت في سكن الشقة بحاجة ماسة الى رجل تنجب منه ابناً او ابنة قبل أن يفوت الأوان، لكن والدها (عبر الهاتف) يقف حاجزاً أمامها بسبب حضوره الاستبدادي في حياتها. تتكلم المسرحية بلغات عدة، انكليزية وسويدية ويونانية وفرنسية، ربما للتأكيد على عالمية المعالجة لقضية علاقة الأبناء بآبائهم. وتنتهي المسرحية بالمصالحة بين الأب وصوفيا في مشهد سينوغرافي تعبيري متقن.
في المسرحية تساؤل محوري: كيف يمكن لمايك أن يصير أباً رغم أنه مثلي شاذ؟ تجيب المسرحية أن الأبوة موجودة في كل رجل وما عليه سوى ان ينميها ويدعمها. تحاول المسرحية أن تعالج تاريخ الأبوة في أوروبا وتسعى الى طرح أفكار ليست جديدة «المال لا يستطيع شراء الحب» او كيف تؤثر التغيرات الاقتصادية ـ الاجتماعية في أوروبا في العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة؟ او لماذا الرجال أقل حضوراً مع أولادهم من النساء؟
تمزج المسرحية الأداء الجسدي البهلواني مع الرقص المعاصر، مع تصوير فوتوغرافي وسينمائي ناجح ومبتكر. تلعب صوفيا، وبمهارة أدائية لافتة، دور الشخصية الكوميدية التي تتحاور مع الجمهور وتسأل أحد المشاهدين عن اسمه وتقول له: «أنا أحبك»! حتى هنا لا نفهم ما قصد هذا الكلام، لكن خلال سير الحبكة المسرحية نفهم أن صوفيا تبحث عن عريس بأي شكل كان.
لعب الإخراج عند جوان أيالا دوراً إنقاذياً للمسرحية من الوقوع في الرتابة والتكرار، عندما ظهرت على الشاشة صور «الفلاش باك» عن علاقة كل ممثل بأبيه. ويتلوى ويتراقص ديمتريس بجسده شبه العاري معبراً عن تحرره الجسدي من كل ما يسيء إلى كيانه الجسماني الجامح.
أسس الممثل البريطاني مايك تويدل فرقة «باباكاس» في عام 2010، مع المخرج جوان أيالا (اسبانيا) وبراين مولن (الولايات المتحدة) وميغيل اوبرزون (فرنسا) وصوفيا باشو (اليونان) وبيرت رومان (بلجيكا). تهدف الفرقة الى التركيز على طرح الأسئلة الاجتماعية من خلال المسرح التجريبي من دون إهمال الناحية الترفيهية المسلية.
في هذا العمل المزدحم بالارتجال الكوميدي والابتكار التجريبي مزيج من الفوضى المنظمة والبساطة المنتهكة والشتائم للأفكار والمشاعر الصادقة التي تأتي من أماكن غير متوقعة، لتعطي هذا العمل نكهة الكوميديا الاتهامية الباحثة عن إيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية المستعصية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى