محمد الروّاس: لوحاتي عن الحضور البطولي للمرأة في التاريخ

محمد شرف

بعد غياب استمر لفترة من الزمن عن صالات العرض، يعود الفنان محمد الرواس إلى الساحة الفنية من خلال معرض يقيمه لدى غاليري «أجيال للفنون التشكيلية» (الحمراء، شارع عبد العزيز، بدءا من اليوم الخميس ولغاية 28 الحالي)، وقد ضمّنه تجارب عديدة كان نفّذها خلال السنوات الماضية. يضم المعرض المعنون «تمجيد المرأة» حوالي 15 عملاً تعود إلى فترات زمنية مختلفة، علاوة على أنها نُفذت، أيضاً، بحسب مقاربات وتقنيات متنوعة. حول هذا المعرض وما يحتويه من أعمال كان لنا مع الفنان هذا الحوار.
] يعود تاريخ معرضك الأخير في لبنان إلى عام 2009، ما هو سبب انقطاعك عن العرض خلال كل هذه الفترة؟
ـ لقد أقمت معارض خلال هذه الفترة في مدينة دبي، بعدما انتقلت إلى العمل هناك مع غاليري «آرت سو»، إذ قمت بتنظيم معرضين خلال أعوام 2010 و2012، ثم قررت، الآن، العودة إلى الساحة المحلية لتقديم هذا المعرض الذي سميته «تبجيل المرأة».
] نفهم من هذا العنوان أن للمرأة مكانة مميزة في أعمالك، هل هذا الحكم صحيح، وإلى أية درجة؟
ـ نعم، هذا الحكم هو على درجة كبيرة من الصحة، لقد كان للمرأة بالفعل مكانة مميزة في أعمالي، وقد يعود ذلك إلى موقفي من قضايا المرأة في شكل عام. فالمجتمع الذكوري يطرح الرجل كمنقذ للمرأة في الحالات الحرجة، وفي الأزمات، على افتراض أن الأنثى ليست قادرة على إنقاذ نفسها. هذا الأمر، أو هذا الافتراض السائد، غير صحيح، إذ إننا نشهد حضوراً بطولياً للمرأة خلال التاريخ كله، ألم يكن هناك نساء مقاتلات، ويتمتعن بالقوة وبالشخصية الأخّاذة بهذه الدرجة أو تلك كنساء الأمازون، على سبيل المثال، أو المانغا في اليابان، وجان دارك، أو شاعرات كالخنساء، وفنانات كفريدا كالو. إن ما يحز في نفسي هو قلة المساواة بين الرجل والمرأة، بالرغم من كثرة القائلين بضرورة هذه الأحقية. لذا، أردت، وبحسب طريقتي، أن أوفي المرأة بعض ما تستحقه.
استمرارية الأسلوب
] في عودة إلى السؤال الأول حول انقطاعك عن العرض في لبنان، ولدى معاينة أعمالك الحالية، يمكننا أن نستنتج أن الفترة المذكورة لم تكن فترة انقطاع عن العمل. نود أن نكتشف ما الذي فعلته خلال المدة الماضية.
ـ كان المعرض الذي أقمته في دبي، العام 2012، استمرارية للأسلوب الذي اتبعته سابقاً، القائم على المزج ما بين التلوين والجمع والتركيب والمواد المختلفة، وهي مقاربة كنت بدأتها في 1987 وتطورت مع الأيام. ولكن، وبعد هذا المعرض، راودتني فكرة استعمال الخشب والمعدن والأسلاك والمواد الجاهزة المصّنعة، وذلك كله في عمل واحد، فقمت بإخراج هذه الفكرة في أعمال على هيئة مجسّمات ثلاثية الأبعاد. استلهمت في هذه الأعمال أشكال الدمى والـ «فيغورين» وأغنيات شهيرة لفريق «ذا دورز»، ولنينا سيموني، إضافة إلى بعض القصص، كقصة حوض السباحة الطائر وتحرير أنجيليكا، وروايات أو أفلام الخيال العلمي، وبعض الإيحاءات الجنسية. على أساس هذه الأفكار قمت بصناعة تسع قطع، ثلاث منها ستكون موجودة في المعرض الحالي.
] ولكن، وإضافة إلى هذه المجسّمات، يمكننا أن نلحظ أعمالا أخرى جديدة تقع في صلب المعرض الذي نحن في صدده، كما نلاحظ، أيضا، أنها أعمال مكتـــملة الجهوزية إلى حد بعيد، وذات مفاعيل بصرية لا يمكن أن تغيب عن عيني المتلقي، ماذا يمكنك أن تحدثنا عن هذه الأعمال؟
ـ شكل عام 2014، بالنسبة لي، عام العودة إلى التصوير من دون أن يقترن ذلك بإضافات تجميعية، أو باستعمال مواد مختلفة. شئت أن أربط ما بين المراحل الماضية والحاضرة، فقمت باستعادة تجربة السبعينيات من القرن الماضي، وتوليفها مع الأفكار الأخرى التي عالجتها على مر السنوات، وخصوصاً منذ العام 2013، أي بفارق 40 عاماً ما بين المرحلتين. لذا ستجد في المعرض أعمالاً تجتمع فيها موتيفات الماضي مع موتيفات جديدة، وهي أعمال ذات طابع مركّب، وذات أبعاد عدّة في مردودها التشكيلي، كنت استلهمت فيها أعمال فنانين عالميين ينتمون إلى حقبات تاريخية مختلفة، كميكل أنجلو وسيرسي وسواهم، كما عمدت إلى أن أجمع فيها الماضي مع الحاضر، كما ذكرت، أكان ذلك في المضمون التشكيلي العام، أم في ما يتعلّق بي شخصياً. هكذا، سترى في خلفية اللوحة أعمالاً قديمة من نتاجي خلال فترة السبعينيات، وهي أعمال ذات طابع محض تصويري أعدت رسمها من جديد، ولكن هذه المرّة ضمن السياق العام للوحة، التي لا تخلو أحياناً من حس الفكاهة في يختص بمضمونها وبطريقة اجتماع عناصرها.
وإذا كنت لمّحت في سؤالك إلى مسألة الجهوزية، فلا بد من ذكر أن كل عمل من الأعمال السبعة الموجودة في المعرض، ذات الأسلوب والتقنية اللذين تحدثت عنهما، استغرقني صنعه ما يزيد على ثلاثة أشهر، وهي فترة قياسية من أجل صناعة عمل فني في وقتنا الحالي، لكنني أدرك أن هذا الجهد الفائق لن يغيب عن انتباه المشاهد، وسيكون مدعاة لإعجابه، على ما أعتقد.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى