«مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الثالث»: السينما في مكان آخر!

سامر محمد اسماعيل

لأول مرة تصارح لجنة تحكيم «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة» مخرجي أفلامها الثلاثين، الأشرطة الروائية القصيرة التي تنافست على سبع جوائز لدورة هذا العام. أتى بيانها على لسان رئيس تحكيمها المخرج نجدت إسماعيل أنزور كإشارة قوية للمخرجين الشباب بمراجعة أعمالهم مراجعةً نقدية؛ مبتعداً عن المجاملة حيث قال: «تلاحظ اللجنة بقلق أن معظم الأعمال المشاركة لم تراعِ طبيعة الفيلم القصير وخصوصيته الإبداعية، لا من حيث البنية ولا من حيث الطبيعة والخطاب، كما أن جل هذه الأعمال اتخذت من الدراما التلفزيونية مرجعية جمالية وبصرية لها، فهناك أعمال تصدت لأفكار كبيرة بإمكانيات ضحلة وبسيطة، مما حال من تمكن مخرجيها من تقديم هذه المقولات بالشكل المطلوب، وترى اللجنة أن معظم الأفلام تم تجسيدها في أماكن تصوير واحدة وخلو هذه الأماكن من البشر وكأن الأحداث تجري في مدن مهجورة، ما عدا بعض الاستثناءات؛ وتقترح اللجنة أن يعاد النظر في آلية قبول السيناريوهات المقدّمة من قبل الشباب، وضرورة وجود مستشارين دراميين يشرفون على هذه الأفلام، وإخضاع مخرجيها إلى دورات مكثّفة قبل إعطاءهم فرص الإنتاج».

مئة فيلم
اللجنة التي تألفت لهذا العام بعضوية كل من الكاتب حسن م. يوسف والناقد فاضل الكواكبي والممثلات ندين تحسين بك وسلمى المصري ونوار يوسف؛ نقلت ملاحظاتها لإدارة «المؤسسة العامة للسينما» الجهة المنتجة لهذه التظاهرة التي بزغت مع سنوات الحرب كتكملة لـ «مشروع دعم سينما الشباب»؛ الفعالية اللافتة التي تحقق من خلالها قرابة مئة فيلم على مدى السنوات الخمس الماضية، ملبيةً جوع النشء الجديد إلى أدوات تعبير مغايرة لأجواء الفرجة السطحية التي عمل التلفزيون على تكوينها لعقود طويلة في سوريا؛ مكرّساً ثقافة مناوئة لحساسية الفن السينمائي، وقدرة هذا الأخير على تربية ذائقة مرموقة بعيداً عن نجوم المواسم الرمضانية. «سينما الشباب والأفلام القصيرة» في نسخته الثالثة أهدى دورته لروح المخرج السينمائي الراحل مروان حداد (1935- 2016)؛ إذ بدا مصراً على تعويض الجمهور عن غياب «مهرجان دمشق السينمائي» منذ انعقاد دورته الأخيرة عام 2010؛ فحفل الافتتاح الذي أخرجه الفنان مأمون الخطيب بالتعاون مع الناقد فراس محمد؛ آثر التنويع بين مستويين من الفرجة، الأولى تجسدت في مقطعيات تم انتقاؤها من المكتبة السينمائية لأبرز الأفلام السورية في الخمسين سنة الماضية، بينما حلّ الاستعراض المسرحي الراقص لفرقة «جلنار» بإدارة الكريوغراف أحمد جودة كمستوى موازٍ للكرنفال الصغير الذي شهد حضور سينمائيين عرب من مصر ولبنان وفلسطين.

جوائز
جوائز هذه الدورة ذهبت تنويهاً بفيلم «ورد» (إخراج رهف خضور) بينما انتزع «موعد مع المطر» (إخراج شادي شاهين) جائزة أفضل سيناريو، لتذهب جائزة أفضل إخراج لفيلم «سينما ميكنغ أوف» (إخراج المهند حيدر) وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم «البداية» (إخراج علي الماغوط (في حين ذهبت الجائزة البرونزية لفيلم «أنين» (إخراج فادي الياس) والجائزة الفضية لفيلم «سليمى» (إخراج حسام الشرباتي) لينتزع «قتيبة الخوص» ذهبية المهرجان عن فيلمه «بطارية ضعيفة».
الأفلام المشاركة آثرت الحرب كعنوان عريض لطروحاتها السينمائية، مقتربةً في معظمها من أجواء «الفيديو كليب» من حيث تركيزها على التلذذ الجمالي بالصورة، وطغيان الموسيقى التصويرية (وضع معظمها سمير كويفاتي وإياد جناوي) على كامل البنية الفيلمية، من دون الإلمام بإدارة الممثل داخل الكادر، والأهم من هذا وذاك عدم الأخذ بأهمية السيناريو كأساس جوهري لتحقيق فيلم متوازن فنياً بعيد عن مشاهدات التلفزيون ومسلسلاته، مما عكس فقراً فنياً في وعي بعض المخرجين، في حين أتت قلة قليلة من الأفلام المشاركة على سوية معقولة من الدراية بمتطلبات الفن السابع، مع التنويه بأن جل هذه التجارب قضت شخصياتها بقذائف طائشة وتفجيرات عبثية من دون الاشتباك ولو لمرة مع جدلية الحياة والواقع ذاتها؛ وكأن السينما «هي في مكان آخر».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى