مسرح الحياة…جديد الكاتب جعفر العقيلي
خاص (الجسرة)
(1)
قال المخرج: “إنه أبو الفنون”، يقصد المسرح، ثم فطن إلى غياب الأمّ.
تساءل في نفسه: “ماذا عسى المسرح أن يفعل؟! أيُمارسَ دورَ الأبوَين معاً؟”
هزّ رأسه متفهّماً: “يا لها من مهمة صعبة!”.
(2)
ذاكرته لم تَشِخ. من قال هذا؟!
هو فعلَها، شاخ، وسرعان ما ألصقَ التهمةَ بالذاكرة جزافاً.
(3)
قالت له: تعال نعتليها..
قال لها: …..؟!
قالت: أقصد الخشبة.
قال: وما بالها خشبة الحياة! ألم تعد تتسع؟!
(4)
يودّ لو يتكلّم. تذكّر توجيهات المخرج. عليه أن يلتزم الصمت حتى نهاية العرض.
بلع حروفه ومضى يؤدّي دوراً تعبيرياً ببلاهة.
وبينما كان الجمهور يصفّق بلا انقطاع، كان الممثلُ لم يُشْفِ غليله بعد، فانزوى بعيداً وراء الستارة وأطلق صرخةً كبيرة هزّت أركان المسرح.
(5)
كلما نزلَ دَرَجةً شَعر أنه ارتقى قليلاً، إلى أن أصبح في مواجهتها؛ الخشبة.. انحنى بتهذيبٍ بالغ إذ أدرك أنْ هنا تسمو الروح وأنْ هنا مكمنُ الحياة.
(6)
اعتقد أنه سيرتدي ثوبَ الدَّور لساعةٍ فوق الخشبة، ثم يخلعه ويمضي، لكنه اكتشف أنه لصيقٌ به، حتى أثناء شخيره.
(7)
قالت له: أحبكَ (وتمنّت لو تجرؤ على أن تسبقها بـ”لا” كي تكون صادقة).
قال لها: أحبكِ (وتمنّى لو يجرؤ على أن يسبقها بـ”لا” كي يكون صادقاً).
بعد إسدال الستارة، كان كلٌّ منهما قد قرّر أن يتصالح مع نفسه في المرة المقبلة، ولو كان في ذلك خروجٌ على الدور!
(8)
ألقى ما في يديه من قطعٍ لامعة، فتناثرت فوق الرؤوس، بينما كان يردد: “خذوها.. لا أريدها، فماذا لو كسب المرءُ العالَمَ وخسر نفسه!”.
تهافت الناس وتدافعوا، وما دَروا أن القِطَع مزيفة، لكن براعة الممثل أقنعتهم بغير ذلك.
(9)
نسيَ دورَه في ذروة الأحداث، لكنه لم يتلعثم كما توقّع المخرج، فقد كان لديه ما يقوله دوماً، لكنه لم يَحْظَ بالفرصة، فأرخى العنان للسانه، ولم يوقفه اندلاع التصفيق إعجاباً بعفويته. لقد كان حينها أصدقَ ما يكون عليه.
(10)
قال المخرج: هذه ليست رؤيتي.
قال الكاتب: هذا ليس نَصّي.
قال الممثل: هذا ليس دَوري.
قال السينوغرافيّ: هذه ليست إضاءتي. هذا ليس ديكوري.
فضاقت الخشبة بهم جميعاً وانتفضت: اتركوا العرض لي. إنه ابنُ الحياة.