إبتهاج إيراني بجوائز مهرجان «كان»

ندى الازهري

«لا تتسم أفلامي بالبهجة، لهذا أنا سعيد جداً لأنني أثرت شيئاً منها لدى أبناء شعبي»، علّق المخرج الإيراني أصغر فرهادي وهو يستلم جائزة أفضل سيناريو عن فيلمه «البائع» في مهرجان «كان» الأخير.
البهجة؟ لقد جلبها بالتأكيد للإيرانيين…
بدا هذا جليّاً في الإعلام الإيراني وفي التعليقات والتهاني المنهمرة على صفحات التواصل الاجتماعي، من الجمهور ومن زملاء فرهادي السينمائيين والمؤسسات السينمائية في طهران. كما تجلّى في الاستقبال الشعبي الحافل الذي كان ينتظر فريق الفيلم في مطار الإمام الخميني في طهران عند عودته من «كان» مكللاً بجائزتين.
المسؤولون الإيرانيون أيضاً كانوا مبتهجين. الناطق باسم وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي عبّر عن سعادته لأن السينما الإيرانية «حققت إنجازات وتوصلت إلى منافسة السينما العالمية». أما مدير مؤسسة السينما في إيران حجة الله أيوبي فقد كان صرّح قبل الفوز الإيراني وأثناء لقائه في «كان» بيار لوسكور رئيس المهرجان، بأن النجاحات الكبيرة للسينما الإيرانية في السنوات القليلة الماضية «أعادت من جديد الثقة للشعب». ويبدو هذا واضحاً من حرارة تلقي الإيرانيين سينماهم الوطنية. اعتبر أيوبي كذلك أن ظهور الشباب الواعدين هو التيار الأكثر بروزاً والحدث الأهم في السينما الإيرانية اليوم، وأن النظرة الإنسانية لهؤلاء إضافة إلى موهبتهم وإبداعهم تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة لتلك السينما في المحافل الدولية. المسؤول الإيراني وجّه دعوة إلى رئيس مهرجان «كان» لزيارة طهران، ووفق صحيفة «طهران تايمز» فإن هذا الأخير رد بأنها مناسبة عظيمة «لأن نغدو أكثر إلفة مع السينما الوحيدة في المنطقة ومع الحضارة المتفردة القوية في الشرق الأوسط».

موافقة مضمونة
فيلم «البائع» الذي نال إعجاب المسؤول الإيراني تدور قصته حول عماد ورنا اللذين انتقلا حديثاً إلى شقة وسط طهران، حينذاك يحدث اعتداء على الزوجة يؤدي إلى تغييرات دراماتيكية في حياة الزوجين الشابين. «البائع» سيعرض في إيران بالطبع، وهو وفق أيوبي لا يحتاج إلى تعديل للحصول على موافقة رسمية من أجل عرض أولي، إنما مع استدراك لا بد منه فمن سيقرر عرض الفيلم هو «مجلس إعطاء التصاريح للإنتاج والعرض»، هذا مع أن «السيد فرهادي حقق كل الشروط اللازمة والمطلوبة في إيران لصنع فيلم» وفق المسؤول. من المعروف أن كل سيناريو يجب أن يعرض على مجلس خاص في طهران لمنح التصاريح وعندما يوافق عليه تبدأ عملية التصوير، ثم بعد الانتهاء يتوجب نيل إجازة لعرض الفيلم.
هذه الجائزة «الكانيّة» لفرهادي كانت حلماً يستحق بذل كل الجهود. هذا ما فعله هذا المخرج المتميزّ خصوصاً بكتابة السيناريو، وهو صرّح لدى عودته إلى طهران، بأن السينما الإيرانية كانت تفتقد «مكانة كهذه في حدث دولي وكان لهذا أن يحصل يوماً». لقد بذل هذا المخرج المبدع كل ما في وسعه كي «نستحق تمثيل السينما في إيران، والحمدلله حصل» كما عبّر. سبق لصاحب «احتفالات الأربعاء» أن نال جوائز عالمية كثيرة، بخاصة عن «انفصال» فيلمه الأشهر الذي حصد جائزة الدب الذهبي في برلين والأوسكار الأميركي والسيزار الفرنسي عن أفضل فيلم أجنبي 2012. ونالت بطلة فيلمه «الماضي» الفرنسية بيرينيس بيجو جائزة التمثيل في «كان» 2013، لكنها المرة الأولى التي ينال فيها فرهادي نفسه جائزة في «كان».

ثقة مستعادة
الجائزة الثانية في «كان» كانت من نصيب بطل الفيلم شهاب حسيني. حسيني في تصريح له شكر فرهادي لأنه أعاد له الثقة بنفسه. لا ريب في أن المخرج الإيراني المعروف عنه إدارته الصارمة للممثلين واشتغاله معهم على الدور كان له أكبر الأثر في فوز حسيني. فهذا الممثل تدرّج بالعمل مع فرهادي وبدأ في فيلم «عن إيلي»، حيث أدى دوراً صغيراً ثم كبر الدور في «انفصال نادر وسيمين» إلى أن أخذ البطولة في «البائع»، ونال عنها جائزة التمثيل في «كان» وهي الجائزة الأهم التي حصدتها السينما الإيرانية.
عمل شهاب حسيني في السابق مع المخرجتين تهمينة ميلاني «سوبر ستار» وبوران رخشنده. وشارك بأدوار أخرى وبطولات مع مخرجين معروفين مثل بهرام توكلي وكيانوش عياري وكمال تبريزي. وبلغ مجموع الأفلام التي مثّل فيها على مدى خمسة عشر عاماً، خمسين فيلما. ونال جوائز عدة في مهرجان فجر كأفضل دور ثان ثم عن أدوار رئيسية. وهو صرح بعد عودته إلى طهران بأنه «سعيد بسعادة شعبه. فالانبساط لا يأتي فقط من مشاهدة بضعة أفلام هزلية طوال الوقت، إذا استطعنا جلب السعادة لشعبنا فهو عمل إيجابي»، وعند سؤاله عن شعوره بالحصول على الجائزة الأرفع في تاريخ السينما الإيرانية، قال: «الحمدلله أديت واجبي تجاه وطني، وكل ما سيجلب الاحترام والتقدير لشعب هذه الأرض يسعدني» وأضاف أنه يفضّل متابعة عمله في وطنه.
لكن وسائل التواصل تناقلت بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده فريق الفيلم في طهران يوم الإثنين، تصريحين لشهاب حسيني أحدهما في «كان» وهو إهداؤه الجائزة للشعب لإيراني «بكل الحب ومن القلب». والثانية في طهران «أنا مسرور جداً ومتفائل، لأنني حصلت على جائزة مهرجان «كان» في ليلة نصف شعبان، ولا يسعني إلا أن أقدم هذه الهدية إلى الإمام الحجة عليه السلام».

لا أكثر من الجوائز!
كل شيء على ما يرام إذاً في أحوال السينما الإيرانية هذه الأيام. وفي رأي مخرج إيراني مقيم في فرنسا وينظم عروضاً لهذه السينما فيها، فإن بيع الأفلام الإيرانية في الخارج واختيارات المهرجانات الأجنبية من الأفلام الإيرانية والبيع المحلي وعروض الصالات تُبرز كلها «حيوية الفن السابع الإيراني على الصعيدين الوطني والدولي». وسجل هذا العام مئة وأربعون فيلم إيراني مشاركتها في مهرجان فجر، الذي يعدّ أهم مناسبة في طهران للتعرف إلى ما ينتج داخلياً، كان نصف هذه الأفلام عملاً أولاً. أما في المهرجانات فقد استقبل مهرجان برلين الأخير أربعة أفلام إيرانية وعرض في «كان» فيلم أصغر فرهادي «البائع» في المسابقة الرسمية فائزاً بالجائزتين، كما عُرض فيلم «تعاكس» لبهمن بهزادي في «نظرة ما». كما أن عام 2015 كان الأفضل للسينما الإيرانية وفق موقع «أي فيلم» الإيراني. إذ سجلت الأفلام الإيرانية 2247 حضوراً دولياً في المهرجانات والتظاهرات الثقافية العالمية وهذا ما يشير إلى زيادة بنسبة 37 في المئة مقارنة بالعام الذي سبقه، كما أنها حصدت 370 جائزة خلال العام الإيراني المنصرم (من آذار – مارس 2015 إلى آذار 2016) فكان العام الأكثر نجاحاً للسينما الإيرانية.

 

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى