هموم الهجرة عبر المتوسط مع خالد الناصري

فجر يعقوب

استضاف الشاعر المغربي عدنان ياسين في برنامجه «مشارف» على القناة المغربية الأولى الشاعر والمخرج والناشر الفلسطيني خالد سليمان الناصري. يُحسب لياسين إصراره ودأبه على تقديم برنامج يعنى بالمثقف والمثقفين ويثير قضايا ثقافية وجمالية سجالية مع ضيوفه، اذ يطل صاحب «دفتر العابر» على مشاهدي البرنامج بمعين ثقافي واضح، وبقدرة على انتقاء فقرات مميزة تمكنه من الانتقال بسهولة ويسر واضحين عبر الأسئلة المطروحة والنقاش الذي ينتج عنها بين جدران الاستوديو.
في الحلقة الخاصة بالناصري، يمكن للمشاهد أن يتعرف الى صوت شعري فلسطيني – سوري متميز وخفيض بنبرة خافتة آثر الانسحاب من سورية قبل اندلاع الحرب بعامين، وكانت وجهته ايطاليا، اذ لم يخف صاحب «صدقت كل شيء» أن السبب الرئيس الذي كان يكمن في مغادرته هو شعور عارم بالفشل، لهذا أراد أن يغير من دفة توجهاته بين أقرانه من الجيل الجديد، فلم تعد الحياة التي عكف عليها تقنعه بالاستمرارية بها، بخاصة أن نذر تحولات عميقة في المجتمع السوري بدأت تلوح في الأفق، وهو المعني بها، طالما يشعر بازدواجية في هويته الفلسطينية – السورية.
كان خالد سليمان الناصري، الشاعر، يعمل في دار المدى مصمماً فنياً، وحمل معه خبرة كبيرة في صناعة الكتب قبل أن تحط به الرحال في مدينة ميلانو الايطالية ليعمل في جريدة تعنى بشؤون المهاجرين. ربما ولدت بذرة الفيلم الوثائقي «أنا مع العروسة» من هنا. لا ينكر خالد الناصري ذلك، بل إنه يفرد حيزاً مهماً من ذاكرته للحديث عن هذا الفيلم، الذي أراده مع مخرجيه الايطاليين أن يحاكي قصة مهاجرين فلسطينيين سوريين وصلوا جزيرة لامبيدوزا الايطالية، وتعثرت بهم السبل في «السباحة الحرة» بين دول الاتحاد الأوروبي قبل أن «يفبركوا» زفافاً مزيفاً يسهّل عليهم عملية نقلهم بسياراتهم الى السويد حيث يفكرون في اللجوء.
لم تكن الرحلة سهلة، والتمويل للفيلم – الرحلة لم يكن كافياً، الا أن فكرة البحث عن مال إضافي لإكماله بعد التصوير تجلت في طرحها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أمن للقائمين على الفيلم نحو مئة ألف يورو إضافية. يقول الناصري أن الفكرة كانت مطروحة من قبل. لكنّ بعضاً ممن قاربها أخفق، وبعضهم الآخر لم يتمكن من جمع المال لإكمال فيلمه، ولكن من حسن حظ أصحاب «أنا مع العروسة» كان المبلغ كافياً لإطلاقه، وجاءت مشاركته في مهرجان «فينيسيا» لتفتح العيون عليه، وهكذا أخذ الفيلم نصيبه من المشاركات في المهرجان والجوائز.
بالطبع لم يكن ممكناً تجاوز موضوع مهم متصل بالفيلم، فالقوانين الأوروبية في قضية تهريب اللاجئين صارمة وقاسية، الأمر الذي عرض أصحاب الفيلم الى اتهامات بالمشاركة في عمليات التهريب. ولولا التعاطف الذي أبدته بعض المؤسسات الأوروبية في هذا المجال، لما أمكن التخلص من تبعات هذه القضية، فقد أخذت هذه المؤسسات على عاتقها رفع الصوت عالياً في قضايا المهاجرين، ما دفع ببعضهم الى استخدام وسائل نقل خاصة في نقل من ضاقت به الحال، أو ضلّ طريقه لسبب أو لآخر.
المحور المهم في برنامج «مشارف» تجلى في مناقشة قضية طباعة ونشر الكتب. فخالد سليمان الناصري كما جاء في تقديم عدنان ياسين له في مستهل الحلقة: «كسر السياقات المعتادة في تجربة الهجرة واللجوء، واشتغل بعناد على تجسير الهوة بين الشرق والغرب، بدل الاستسلام لنزعة القطع مع ما تركه وراءه». كل هذا دفع به لتأسيس دار المتوسط للنشر من ميلانو، وهذا الأمر أثار قضايا وشجوناً متعلقة بصناعة الكتاب وسبل توزيعه، والخدع الكبيرة التي يقوم بها بعض دور النشر في العالم العربي، وقد تحولت وفق تعبير الناصري الى «دور للنشل» في ظل غياب سياسة واضحة لصناعة الكتاب، وهذا قد زاد من حيرة الرقيب وتعنته في أحايين كثيرة، بدل أن تتفلت هذه الصناعة منه مع هذا الانتشار غير المسبوق لوسائط التواصل الاجتماعي.
برنامج «مشارف» لا تكفيه 24 دقيقة. ربما كان على معدّ ومقدم البرنامج، وبالطبع ادارة القناة المغربية الأولى زيادة عدد دقائقه، لأن طريقة ياسين عدنان في إدارة الحوار والانتقال به الى بر الأمان بعد طول سجال، لافتة وجاذبة، وهي مشارف على قضايا تبدو لبعض من أدمن حديث التلفزيون أكثر جدية من الالتفات اليها. لكن البرنامج ينجح هنا في إعادة تدوير فكرة أن التلفزيون يمكنه أن يستوعب كل هذه الممكنات بجدارة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى