رقعة الشطرنج الدراميّة تتمدّد

فادي الطويل

في العام 2013، سافر مؤلفا ومنتجا مسلسل «غيم أوف ثرونز» ديفيد بينيوف ودانيال بي وايز، إلى «نيو مكسيكو» للقاء جورج مارتن كاتب السلسلة الروائية الفانتازية الأصلية التي اقتُبس منها المسلسل (صدرت ترجمة الكتاب الأول من الرواية عن دار «التنوير» بترجمة هشام فهمي). يومذاك، أخذ مارتن يروي لهما كيف ستنتهي القصة، ما استغرق أسبوعاً كاملاً.
إحدى نقاط قوة «غيم أوف ثرونز» هي كونه أشبه برقعة شطرنج تلفزيونية كبيرة. عدد كبير من الشخصيات، خطوط متقاطعة عبر التاريخ والجغرافيا، لعبة سياسية تحكمها البراغماتية والمصالح. هذه القسوة تحكم العمل ذاته، فهو الوحيد الذي لا يتورّع عن قتل أبطاله، أو يخيف جمهوره بذلك. كان هذا واضحاً في الجدل الذي تبع الحلقة الختامية للموسم الخامس، حين انشغل المتابعون بمعضلة «جون سنو»؛ مات، لم يمُت. وبدأت «النظريات» التي لم تغفل تفصيلاً ممكناً أو احتمالاً واردًا. بين التكتّم الكبير واللعب بالتلميحات قال الممثل الإنكليزي كِت هارنغتون (يؤدي دور سنو) للجمهور إن عليهم التعوّد على فكرة موت سنو.
في الموسم السادس (بدأ في 24 نيسان وانتهى في 26 حزيران) أعطى المسلسل جمهوره ما يريد، وتحققت رغبة الجميع في عودة جون سنو إلى الحياة.
مضت أحداث الموسم، التي كانت للمرة الأولى من خارج النصّ الروائي المكتوب، وأعطت كلّ من بينيوف ووايز مساحةً أوسع في تصوّر سياق الأحداث والتحكم بمصائر الشخصيات وترتيب محاور العمل المتعددة. في هذا الموسم، شعر المتابعون ممن أحسّوا بالسخط في الحلقة الختامية للموسم الخامس بالتعويض؛ «جون سنو» عاد، اجتمع شمله مع «سانسا» في مشهدٍ بارد وعاديّ لم يحقق التوقعات لا سيما بعد ما مرّت به «سانسا» للوصول إليه. بعدها تغلّب، بطريقة ما، على»رامزي بولتون» الذي نجح في أن يكون ندّاً دراميّاً وأخلاقيّاً لمن تبقّى من عائلة «ستارك»، وإن جاء هذا كاختيار أسهل، مع إمكانية إعطائه مساحةً أكبر في الأحداث. لكنّ نهاية «رامزي» الفعلية بدأت في اللحظة التي قتل فيها والده «روس بولتون»، بكلّ ما حمل المشهد من رمزية، ليتّضح التمهيد لنتيجة الأحداث.
من المشاهد التي شدّت المتابعين وأثارت تعاطفهم، مشهد موت «هودور» في الحلقة الخامسة، وهو يضاف إلى سلسلة طويلة من الشخصيات التي كان موتها محرّكاً للأحداث أكثر من كونه نتيجة طبيعية لها. وهو ما سيثير التساؤل عن تماسك القصّة مع تعدد محاورها؛ من «ويستروس» إلى «وينترفِل» إلى «برافوس» (الذي استغرق وقتاً طويلاً لا يبدو مبرراً بما فيه الكفاية)، وصولاً إلى «ميرين» وحتى «دورن» التي أدّت المشاهد بمستوى أقلّ من المحاور الأخرى، وجودة أداء بدت خارج تناغم العمل ككل.
لكن في الحلقتين الأخيرتين، من إخراج ميغل سابوتشنيك، ظهر الإبداع الفني ليرفع مستوى الموسم وينقذه من مصير الموسمين السابقين. في الحلقة التاسعة، كانت «معركة اللقيطين» مشغولة بحرفية في الأداء والتصوير، وهي بتدرّج أحداثها وتسلسلها توضح نقاط ضعف «جون سنو» التي كادت أن تنهي المعركة لصالح «رامزي بولتون» لولا تدخّل «الخنصر» «بيتر بايليش» (الذي يشكّل مع اللورد فاريس صوت العقل والحنكة السياسية التي بدت بأفضل تعبير في حوارهما في حلقة «الصعود» في الموسم الثالث) استجابة لطلب «سانسا»، لتنقلب معطيات المعركة لصالح «آل ستارك».
يقول سابوتشنيك إنه تعامل مع الحلقة وكأنها فيلم قائم بحدّ ذاته، وأراد تصعيد الانفعال في الحدث تمهيداً للحلقة الختامية التي قدّم فيها إحدى أفضل وأجمل الافتتاحيات في حلقات المسلسل الستين، إلى حد الآن. تركيزٌ على مشاهد متتابعة من «ويستروس»، بدون تداخل مع أحداث محور آخر، أداء تمثيلي كبير من «سيرسي» (لينا هيدي) وموسيقى رامين جوادي الجميلة والمجدّدة التي أدّت الغرض بأفضل شكل ممكن في تناغمها مع الحدث وإيقاعاته وعبّرت عن الصراعات الخارجية بين الشخصيات والداخلية ضمن كلّ منها.
حقّقت الحلقة الختامية «رياح الشتاء» معدل مشاهدة غير مسبوق بالنسبة للمسلسل، بـ 8.9 مليون مشاهد. وهي تمهّد لنهاية القصة التي ستكون مؤلفة من 13 حلقة موزعة على موسمين قصيرين. الأمر الذي يدفع المتابعين لإثارة التكهنات عبر «نظرياتهم» المعتادة على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن ساعدتهم «إتش بي أو» هذه المرة عبر تقديم بعض التلميحات، مثل «انفوغرافيك» يثبت أن «جون سنو» هو إبن «رايغار تارغيريان» و «ليانا ستارك». أعلنت الشبكة الأميركيّة أيضًا أن أربعة مخرجين سيتولّون حلقات الموسم السابع.

 

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى