الفيلسوف الفرنسي أدغار موران: السينما وسيلة للدفاع لأنها أداة للمعرفة
خالد الكطابي
افتتحت فعاليات الدورة التاسعة عشر لمهرجان السينما الأفريقية، التي تستمر لمدة أسبوع كامل، في مدينة خريبكة المغربية حيث سيلتقي مبدعو السينما الأفريقية، من مخرجين وممثلين ومصورين ونقاد وإعلاميين أفارقة، لعرض الإبداع الأفريقي وطرح الأسئلة التي تؤرق بال صناع السينما في القارة السمراء. ويشكل المهرجان، الذي سيستمر إلى غاية 23 من الشهر الجاري، أيضا مناسبة أخرى لتقييم أعمال سنة إنتاجية جديدة، سواء على المستوى النظري، من خلال مناقشة المنتوج الفني أو عمليا عبر ندوات متخصصة تطرح سؤال الإنتاج المشترك وكيفية تجاوز الصعوبات التي تواجهه.
وتميز حفل الافتتاح بتكريم السينمائي التونسي الراحل الطاهر شريعة (1927ـ 2010) وذلك من خلال عرض فيلم «تحت ظلال الباوباب» يوثق بالصورة والصوت لحكاية الحاضر الغائب مع السينما الأفريقية. والفيلم الذي أخرجه محمد شلوف وتطلب منه عدة سنوات من الاشتغال نجح في تقريب المشاهد من العوالم المتعددة التي طبعت مراحل حياة الرجل بدءا من طفولته حيث كان راعيا للأغنام… وصولا إلى سنوات دراسته ثم اشتغاله بالتعليم ..
وسلط الفيلم الضوء على المشوار السينمائي للمحتفى به، حيث أشار إلى مجهوداته في تأسيس النوادي السينمائية في تونس ثم قيامه بتأسيس فعل نقدي وثقافي في بلده وانفتاحه على القارة الأفريقية عبر مهرجان أيام قرطاج السينمائية عام 1966.
واعتمد المخرج على شهادات من مجايلي وأقران الطاهر شريعة في تونس ومن باقي سينمائي أفريقيا التي ظل الراحل يدافع عن سينماها حتى النهاية وصامدا مثل شجرة «الباوباب» الأفريقية .
ومن بين الشهادات المؤثرة تلك التي أبداها السينمائي المصري توفيق صالح 1926 2013 حيث اعترف بأن فضل تعرف الجمهور العربي والأفريقي يرجع إلى الذي فتح له باب النوادي السينمائية التونسية وبعد ذلك مشاركة أفلامه في العديد من التظاهرات والمهرجانات السينمائية.
وحسب صالح فإن الطاهر شريعة كان وراء اختيار عنوان فيلمه «المخدوعون» باللغة الفرنسية «لي ديب» وساهم في انتشار هذا الفيلم وفك الحصار عليه دوليا. كما اعتبر كل من الناقد التونسي مصطفى نقبو والمخرج والناقد والمؤرخ السينمائي فريد بوغدير أن الراحل ساهم بشكل كبير في انطلاقة السينما في تونس وخارجها. وأكد مصطفى نقبو مدير مجلة «الفن السابع» على الدور الإشعاعي الذي قام به شريعة في التعريف بالسينما والسينمائيين التونسيين ونضاله من أجل نشر الصورة السينمائية من دون كلل أو ملل.
في حين تحدث فريد بوغدير عن ارتباطه الوطني والتزامه السياسي اليساري وبقرابته الفكرية التي جمعته بتوفيق صالح أكثر مما ربطته بيوسف شاهين، معتبرا أن «صالح كان يساريا راديكاليا بمقابل شاهين الذي كان يغلب عليه الاعتدال».
وخاض شريعة عدة معارك مع مسؤولي القاعات السينمائية في تونس التي كانت تبث أفلام هوليوود بالأخص، بل وساهم في فرض الفيلم التونسي على دور العرض حيث انتبه مبكرا إلى أهمية التوزيع وأثره على إشعاع ومشاهدة أي فيلم. كما تطرق الفيلم إلى علاقات الراحل وصداقاته الودية مع مجموعة من السينمائيين الأفارقة من ضمنهم عثمان سامبين وتيميتي باصوري، عطيات الأبنودي، نورالدين الصايل..
وأثناء فقرة التكريم التي حضرها، ابن الراحل، قيصر شريعة، حيث ألقى كلمة تحدث فيها عن سيرة والده الذي عشق في بداياته الشعر وترجمته قبل أن تجتذبه السينما إليها. وتسلم قيصر شريعة درع التكريم من طرف نور الدين الصايل، رئيس مؤسسة المهرجان، الذي جمعته بالطاهر شريعة مجموعة من الرؤى والمواقف والتصورات واشتغلا جنبا إلى جنب في تأطير العديد من التظاهرات السينمائية وتقاسما الانشغالات بالسينما الأفريقية.
واعتبر الصايل في كلمته أن شريعة يستحق التكريم بصفته أحد الرواد المؤسسين للثقافة السينمائية في أفريقيا والوطن العربي من خلال تنظيمه لأول مهرجان سينمائي في القارة السمراء «أيام قرطاج السينمائية» سنة 1966. كما يعتبرمن المواكبين والمهتمين بالمهرجان منذ بداية تأسيسه الأولى عام 1977.
ومدعما لجامعة الأندية السينمائية في المغرب. كما لفت الصايل الانتباه لإحدى الشخصيات التي تستحق التكريم أيضا وهو مخرج الفيلم محمد شلوف بالإضافة للمخرج المخضرم الإفواري تيميتي باصوري. كما سيتم الاحتفاء بتجربة السينمائي المغربي محمد عبد الكريم الدرقاوي، الذي شارك في الدورات السابقة للمهرجان بصفته مديرا للتصوير أو مخرجا ثم كمؤطر لورشة التصوير السينمائي.
وفيما يخص الفقرة الاستعادية ستتم استضافة السينما الإثيوبية التي تعرف تطورا ملحوظا، سواء من الناحية التقنية أو الموضوعاتية، حيث عرفت تألق عدة أسماء ساهمت في رسم مسارها مثل هيرمان هالي، هلي جريما، يارد زيلكي.
وسيشارك في المسابقة الرسمية للدورة 19، التي تنعقد ما بين 16 و23 يوليو/تموز، وتحمل اسم أحد رواد السينما في أفريقيا عثمان صامبين 1923 ـ2007 وستعرف تنافس15 فيلما تمثل 12 دولة حيث ستشارك إثيوبيا بفيلم «الحمل» ليارد زيلكي، «طريق اسطنبول» لمخرجه رشيد بوشارب من الجزائر، وتدخل تونس المنافسة بفيلمين «قصر الدهشة» لمختار العجمي و»ثورتي/طردت بن علي» لرمزي بن سليمان، «سقط القمر» لغاهيتي فوفانا (غينيا)، «قبل زحمة الصيف» لمحمد خان (مصر)، «أغراض الهائم التائه» لكيفوريهوغاهوزا (رواندا)، «بنت أمها» لكارين بادو وسيرج أرمين سوادوكو (بوركينافاسو)، «ظل الجنون» لبوباكر كاكو (مالي)، «مونة» لأنتوني أبواه (نيجيريا)، ومن ساحل العاج «غير آسف» لجاك ترابي، و»رسالة زون جين/ اوو لوبا» لكل من روجيرناهوم وسامسون ادجاهو (البنين) وفي حين يدخل المغرب غمار المنافسة بثلاثة أفلام «مسافة ميل بحذاء» لسعيد خلاف، «فداء» لإدريس الشويكة، و»جوع كلبك» لهشام العسري. وسيكون المبدع الأفريقي في هذه الدورة أمام امتحان عسير يجعله يتردد أكثر من مرة أثناء عرض ومناقشة فيلمه حيث ستغلب عليه الحيرة والارتباك، خاصة أن لجنة تحكيم الدورة يترأسها فيلسوف عالمي خبير بالصورة السينمائية وعارف بتاريخها وأسرارها بل وطلاسمها.. ومدافع عن القضايا الإنسانية العادلة ومنتصر لإرادة وتحريرالشعوب من كل أشكال الاستعمار والاستغلال ومفكر يؤمن بأن الإبداع الإنساني لا حدود له.
وقبل تقديم لجنة تحكيم الدورة تناول أدغار موران الكلمة، بشكل تلقائي شبيه بمداخلات الحركات الاحتجاجية، مبرزا علاقته بمهرجان خريبكة منذ بداياته والدور الذي يلعبه في الدعم والتعريف بالسينما الأفريقية بعدما كان السبق الفعلي في ذلك لمهرجان أيام قرطاج. ودعا موران إلى «المقاومة الثقافية وحماية حياة أفريقيا وأرضها التي تنهب حاليا وليس فنها فقط» كما أشار إلى أن السينما وسيلة للدفاع لأنها أداة للمعرفة. وأضاف أعتبر أن «الأفلام الروائية أفلاما واقعية لأنها العواطف الإنسانية مثل الحب، الصداقة، الكراهية كما تخبرنا بالحياة اليومية للشعوب وتجعلنا نكتشف الشيء الأجمل وهو المتعلق بالتشابه والاختلاف عنا». وأرجع موران عنصرالتشابه إلى «كون تلك الشعوب لديها الأحاسيس نفسها والآلام نفسها والمشاكل أيضا…
ففي هذا الفضاء الإنساني نجرب تنوعه لأننا نرى اختلافاته، تفرده وأخلاقه لأن هذا الغنى الإنساني مبني على التنوع».
واعتبر أن «كل من يميل إلى توحيد وتجانس الثقافات والشعوب يبقى عمله فاشلا.. وأن التنوع لا يعني شيئا خارج الوحدة الإنسانية وهذه الرسالة التي ستمنحنا إياها أثناء المهرجان الذي أعتز بالحضور فيه».
ويشارك في عضوية لجنة التحكيم، بالإضافة إلى رئيسها أدغار موران، كل من المنتجة السينمائية الايطالية سيركني روسانا، الممثلة ميمونة أندياي من بوركينافاسو، والمخرج ماما كيتا من غينيا، والإعلامية التونسية هدى العامري، الصحافية المغربــية عائشة أكلاي والمخرج المغربي ياسين فنان.
كما تم تقديم لجنة تحكيم جائزة «دون كيشوت» التي تتشكل من أطرالجامعة الوطنية للأندية السينمائية في المغرب وتتألف من ثلاثة أعضاء حيث يرأسها محمد صولة عن «نادي الطليعة السينمائي» بسيدي سليمان وعضوية محمد العماري عن «جمعية النادي السينمائي» في خريبكة ونادية بن القايد عن نادي «الفن السابع» في طنجة.
وينعقد هذا الحدث الفني والقارة الأفريقية تواجه تحديات وظواهر جديدة، تعيق نموها، حيث تنضاف قضايا إشكالية جد معقدة تفوق طاقتها كالهجرة والإرهاب الرمزي والمادي والتهريب بكل أشكاله ثم مشروع التفتيت الذي يستهدف بعض دولها. كما سيعرف المهرجان إلى جانب عروض المسابقة الرسمية والمناقشات الصباحية للأفلام المشاركة تنظيم ندوات ليلية تخصص للقضايا التي تشغل بال المبدع الأفريقي وتوقيع إصدارات، بالإضافة إلى الاهتمام بالتكوين عبر ورشات خاصة بكتابة السيناريو من إشراف يوسف كرمي وأمين صابر، إدارة التصوير: فاضل شويكة ومحمد لامين، الإخراج: محمد الشريف الطريبق ويونس الركاب، المونتاج الرقمي: نجوى جداد وزينب الهردوز.
وسيتخلل المهرجان تنظيم ندوة محورية «السيناريو والسينمات الأفريقية « بمشاركة نور الدين الصايل، منصور صورة واد، إدريسا وودراو وكو وهشام العسري.
وخلا حفل الافتتاح من البهـــرجــــة لكنه في الوقت الذي التزمت فيـــه الأطراف الحاضنة للمهرجان الصــــمت والحياد شبهت مجموعة من الحاضرين كلمة أحد المسؤولين المحليين بدعاء خطبة الجمـــعة عند لم يمنعه «الحياء الثقافي» من تقدير اللحظة السينمائية والابتعـــاد عن حشر المبدعين فيما لا يعنيهم.
ورغم الدور الذي يلعبه المهرجان في الدفاع عن السينما الأفريقية والإشعاع الذي حظــــي به منذ 39 سنة وتميزه عن مهرجانات أخـــرى دولية ووطنـــية فإن الدعم المالي المخصص له لا يتلاءم مع حجـــم وانتظارات الفاعلين السينمائيين التي تجعل المهرجان لا يلبي أحلام مؤسسيه حتى يصبح مهرجانا احترافيا ومساهما فعليا في الإنتاج والصناعة السينمائية محليا ووطنيا وقاريا.
(القدس العربي)