ضحى الدبس… «حنونة» الدراما!
( الجسرة )
*أمين حمادة
تتسم الدورة الفنية والدرامية في العالم العربي بقاعدة «القبض بالأسنان على إكسير الشباب»، بدلالة فيض عمليات التجميل وحقن «الصِغر» والعداوة مع «سنة التجاعيد»، والشخصيات التي تصغر مؤديها عمراً مع استثناءات قليلة. كان على الممثلة السوريّة ضحى الدبس اتخاذ قرار مصيري في مرحلة «العمر المتوسط»، وضع الكف على الخد بانتظار فتات الأدوار خلال «فترة مستقطعة من حياتي كنت مهمشة جداً» كما تكشف في حديث إلى «الحياة» أو تحقيق الانعطاف الذي لا رجعة عنه في مهنتها. توضح: «القرار اتخذ بالاتفاق مع المخرج نذير عواد. في مرحلة الشباب لم آخذ حقي، وكنت أصبحت في عمر المرأة التي لا تقنع كشابة ولا كأم، أردت ان أغير هذا الوضع، وأقدم دور الأم كاسرةً القاعدة». وتضيف: «كان تحدياً بالنسبة الي، طاقة دفعتني الى أن أكون شرسة، جلدت نفسي، لو لم انجح في الانعطاف وبشخصية الأم، كنت سأنسحب وأبحث عن مكان آخر».
تحقق الدبس في انعطافتها الانتقال شيئاً فشيئاً من صفة الممثلة إلى الفنّانة القديرة باستحقاق. ترى أن هذا الأمر يحقق لها الفرح لأنه حصاد تعب طويل سعت فيه إلى أن تكون «ممثلة قديرة» من دون الالتفات يوماً إلى لقب «النجمة» ما ساعدها على الذهاب إلى خانة «شخصية الأم» التي لا تدعو الى الأمان، بل إلى التوتر والحذر وتقديم مجهود أكبر في تنويع الأدوات والصفات والأنواع الدرامية خوفاً من تنميطها، متحدثةً عن اختلاف ملامح الأم في أعمالها الأخيرة «خاتون» (طلال مارديني/ تامر إسحق) و»أحمر» (علي وجيه ويامن حجلي/ جود سعيد) و»لست جارية» (فتح الله عمر/ ناجي طعمة). تقول: «ما يميّز «خاتون» برأيي، أن فاعلية النساء في العمل متوازنة مع فاعلية الرجال. انتهينا من فكرة المرأة التي تبقى في المنزل، بل اصبح لها دوراً وموقفاً ورأياً خارجه كما داخله»، لافتةً إلى دورها في شخصية «أم فهد»: «ليست بأهمية أدوار النساء الشابات، لكنها تقود المنزل في بعض الاتجاهات على حساب الزوج، كما تتسع مساحة الدور وسلطتها كامرأة في الجزء الثاني». وتكشف بخجل بعض أحداث الموسم المقبل من «خاتون»: «بعد مقتل الابن، سيحرّك الثأر كل أفعالها، ومنها فرض ميول الزعامة على الزوج حتى يصل إليها، الشخصية ليس شريرة في الأصل، بل هي الأم المفجوعة التي تعود إلى إنسانيتها عندما تكتشف حقيقة مقتله».
وتنتقل الدبس إلى الحديث عن دورها في مسلسل «أحمر»، والذي لامسها في شكل خاص، بحكم بعض الشبه مع مهنتها وما يطرحه حول مستقبلها مثيراً خوفاً حقيقياً، إذ تؤدي شخصية نجمة سينمائية سابقة مصابة بمرض الزهايمر. تقول: «استفزني الدور في شكل كبير لأعمل عليه بأقصى طاقة ممكنة، أدخلت إلى الشخصية تفاصيل حياتي. من لا يعرفني شخصياً، سيتعرّف إليّ جيداً بعد مشاهدة العمل، هي أكثر شخصية أعطيها منّي وصنعتها بتفاصيلها». وتكشف بعض ما رافق بناء الدور قائلة: «عندما قرأت النص لم يساعدني كثيراً، أعدت صوغه بمساعدة المخرج، هذّبت لغة الشخصية، إذ هناك أفعال غير مهذبة تسقطها أمام الكاميرا والعين لا تتقبلها، ومركزها كنجمة، يفرض الّا تكون ذاكرتها وفلسفتها شبيهة بذاكرة ربّة منزل، كما أني أضفت تفاصيل من ذاكرتها البعيدة تشبهنا».
وعلى العكس من «خاتون»، تعمل كثيراً على شكلها الخارجي وتنتقل في مسلسل «لست جارية» من دور المرأة الظالمة وصاحبة الحظوة عند زوجها إلى «المظلومة التي تعاني من زوجها كثيراً». تعتبر أن خصوصية الأم في هذا الدور تكمن في «محاولتها حماية أولادها من العقد التي تهددهم بسبب الخلافات المنزلية، والنزاع مع الأب السادي والمتزوج من أخرى».
شعور الأم لدى الدبس يتخطى أدوارها، إلى الدراما السوريّة ككل، تفتخر بأنها تقاوم بكل الطرق الممكنة للاستمرار، ولكن تخاف عليها بسبب المشكلة التي تراها أبعد من الأزمة الحالية، بل هي تعود إلى غزوة الأعمال التركية السوق السورية. تقول: «دخلنا في متاهة التركي والأعمال السطحية، وانشغلنا في تقديم أعمال لا تشبهنا وفي إشهارها بدل أن نتعب على أنفسنا وعلى درامانا، قبل أن نبدأ بتقليدها عربياً وليس فقط في سورية». وأكدت أنها سبق ورفضت كل العروض التي قدمت إليها لدبلجة أعمال تركية: «لا أعير صوتي لأي عمل من خارج وطني». وفي منتصف هذه الحرب القويّة بين الدراما السائدة ودراما الهويّة السوريّة، لا تجد الدبس نفسها الاّ أمام منعطف جديد وصعب كالذي سبقه على الصعيد الخاص، وفي تحدّ خطير لا بدّ أن تخرج منه منتصرةً. والحل؟ «سأبدأ بالكتابة لنفسي، بكل أنانية!» تجيب.
المصدر: الحياة