‘دع للأناشيد غبارها’.. حين يكون الشعر بديلاً عن القتل!

حيدر قاسم

العالمُ ملوث بنا، ونحنُ ملوثون به، الشعر واسطة لنقل استيائنا المتبادل من بعض، لولاه لأمتهنا القتل! ولولا ان نسرح في هذا الخيال الغارق بالتأمل، لم نكتشف للآن علة الاستمرار في الكون الذي تملأهُ الخيبات والهزائم، هذا بافتراض ان ثمة من بلغ مدى الإستمرار، فثمة آخرون لا زالوا يعرفون ان حتى هذا الإستغراق هو قتل لكنهُ من نوع، وهنا يمكن الحديث عن التشارك والتساوي كمفهومين متقاربين ظاهرياً على الأقل، في تعريف أو على الأقل خلق تصور بسيط عن رابط مشترك يعيد قراءة مسارات حياة صاخبة بوصفها عملية قتل لا أكثر!

في مجموعتهِ البكر يأخذنا أحمد ساجت شريف لاجتراح قراءة مبسطة لتلك العملية، لكنهُ يقرأها من زاوية أخرى، أو انه يمثل الصوت الآخر، المهمش، الخفيض، الغائب، المُقصى، الذي وقع عليه فعل القتل, لكنهُ لا ينتصر له، قدر ما يضعنا أمام محاكمة لكلا الطرفين، بوصفهما قاتلين فحسب!

في هذه المجموعة الضاجة بالهزيمة والانكسار والتلاشي والتشظي والخيبة، تجدك أمام تعريفات يحاول الشاعر، إعادة تموضعها في الفهم من وجهة نظر شعرية، او على الأقل يحاول إزالة اللبس الحاصل من كلا طرفي المعادلة، ففي نص “ما بقي وما يجيئ”، يضعنا امام تعريف آخر للهزيمة، لا بوصفها عملية اندحار مادي فحسب، بل بوصفها عملية اجهاز على الذات من الداخل قبل ان تكون فعلاً خارجياً، يقول:

الهزيمةُ

ان لا تقنتص عزلةً مضيئة

في تلك الضجة الباذخة

الهزيمة

ان تعود مبكراً الى قبوكَ

لا الى فضائها وانت تحمل خردة عمرك على الأقل ..

ويواصل عبر هذا النص وضع تعريف للهزيمة، الى القول:

الهزيمةُ الا

تنقنص وجهك من بين هولاء الأموات!؟

اما في نص “دعني افترض” فإنه يشير الى ان الهزيمة مرةً أخرى، باعتبارها مآل حتمي، فلم يربح أحدُ من عملية القتل المتبادل، سوى الهزيمة وحدها، يقول:

دعني

مثلاً اسيرُ كمجنون بزي محارب

امتهن عد التوابيت بدمعة يقظة

دمعة تتكلس كذباً في حافة الوجه

تلويحةً لنصر لم يحدث!

في نص “بحث” يواصل الشاعر تصوير الهزيمة بوصفها تشظي واندحار، وبوصفها نهاية لجنون انساني مستمر، وهو يحاول ان يشير الى ان ما يقصدهُ الانسان من حروبه الطويلة لن يتحقق مطلقاً، قدر انه يواصل تمزقه وحسب، يقول:

دلني على بهجة كاذية ..

على شفةٍ تعتزم الضحك

على وجه لم تمزقهُ الحرب …

في نص “خذلان” يأخذنا الشاعر الى الحرب باعتبارها، وجهة أخرى للهزيمة، هزيمة الانسان الذي يقبع في الذات، حين ينفلتُ منه زمامه فيتحول الى مجرد مدونة في ذاكرة القتل، يقول:

الحربُ لم تكن كنايةً عن احتراق الاجساد

لم تكن مدونة الجنود الذين غابوا في حروبها المشتعلة

لم تكن

إلا هذا الحزن الذي يتبرعم فوق شفتي ولا يتوقف …!

لوحدي اعد وجوه الخذلان التي تتدفق على مرايا الحضور

لوحدي

اخوض هزائمي المتكررة …

في نص “مهادنة صامتة”، يظلُ الشاعر في دوامة الهزيمة ذاتها، فمحاولات الهرب منها، تفلحُ ولكنها اليها هي من جديد، فحتى ان تحقق النصر في الخارج من لا تضع نفسك بآلة القتل، لكنك في النهاية محكوم بالتفكك من داخل ذاتك، حين يتفكك المحيط كله، اثر الحرب بوصفها هزيمة كبرى للإنسان، يقول:

اغمسُ وجهي في سراب التمني

أضفي

لوناً محتملاً

على تلال الخراب التي تحيط رأسي

وأثقب الذاكرة

لكي يتسلل الغياب ..

واذا كان في النص السابق محاولة للهرب من تلك الفاجعة، فإنه يدرك فيما بعد ان لا خلاص له حتى بأفتراض ان الغياب يمكن ان يكون باباً لولوج عالم خال من مرارة الهزيمة، يقول في نص “انت رهين حتفك”:

لموعد مع خذلان آخر

لمسيرة الى فجرٍ مليء بالمصادفات

او لإزاحة الستار عن موت جديد،

لا شيء يختلف

انت رهين حتفك ..

يشار الى ان الشاعر احمد ساجت شريف من مواليد الناصرية جنوب العراق 1983، حاصل على البكالوريوس في القانون من جامعة بغداد، وعضو الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى