أحمد لحميمي يرصد تاريخ المقاومة الوطنية بالريف المغربي المعاصر

يرصد كتاب “دراسات في تاريخ المقاومة الوطنية بالريف المغربي المعاصر”، بعض جوانب محطات متسلسلة من تاريخ مقاومة شمال المغرب (الريف) من نهاية القرن التاسع عشر إلى العقد الثالث من القرن العشرين، يربط بينها تشبعها بالروح الوطنية، وقوتها في المواجهة والعمل السياسي، ووحدة هدفها الأسمى الذي هو تحرير الوطن من الاحتلال الأجنبي.
ويتألف كتاب أحمد لحميمي الباحث في تاريخ الريف المعاصر، والصادر مؤخرا ضمن منشورات مجلة أمل بالدار البيضاء من أربعة فصول.
الفصل الأول خاص بإطلالة على مقاومات مسلحة مغمورة بشمال المغرب، تحدث فيه الكاتب عن معركة سيدي ورياش، ظروفها، أسبابها ونتائجها المحلية والعالمية. كما عرف بمقاومة أحمد تازية الوهابي بالعرائش والقصر الكبير ومقاومة محمد ولد سيدي الحسن بمنطقة جبالة.
الفصل الثاني عنوانه: دفاعا عن وطنية الشريف محمد أمزيان؛ استعرض فيه تاريخ مقاومة الشريف أمزيان، وجهوده في تعبئة المقاومين للتصدي للفتان بوحمارة ومواجهة التغلغل الإسباني، مبرزا أهمية هذه المقاومة على الصعيد الوطني ودورها المهم في التأسيس للحركة الوطنية.
الفصل الثالث خصصه لثمسمان أرض معارك حرب الريف لسنة 1921، فبعد التطرق لأصل تسمية قبيلة ثمسمان وما قيل فيه، عرج على التعريف بجهاد القبيلة خلال الغزو الإسباني لها، هذه المقاومة الشرسة التي قادها الزعيم عبدالكريم الخطابي وأشرف عليها، حققت انتصارات مذهلة أعجزت القيادات العسكرية الإسبانية عن تنفيذ مخططها، فلفت الكاتب نظر القراء إلى أن المعارك الشرسة وقعت في ادهار أبران وإغريبن بالذات، ولم تكن أنوال إلا خاتمة لها.
وعزز الفصل بإدراج القصيدة الشعرية الملحمية ادهار أبران، وترجمتها إلى العربية، مع دراسة مفصلة لمحتواها.
الفصل الرابع الأخير يتضمن قراءة في أفكار وآراء محمد عبدالكريم الخطابي، الذي تميز بعمق تكوينه الأكاديمي الحديث في المجالات القانونية والديبلوماسية والاقتصادية والدينية ما أهله لقيادة أعظم حركات المقاومة في التاريخ المعاصر. مبرزا ما تميز به هذا القائد من خصال حميدة كغيرته على الحق ودفاعه الظلم، وتسامحه، ونضاله من أجل إقرار السلم وتحقيق التنمية، وحسه الوطني الرفيع، ودفاعه من أجل الوحدة الترابية المغربية في وجه كل المحاولات التجزيئية التي كان يبثها دهاقنة الاستعمار الفرنسي والاسباني.
لا ننكر أن هذه الموضوعات، أكثرها تم التطرق لها من طرف العديد من المؤرخين والباحثين المغاربة والأجانب، إلا أن المؤلف تميز في مصنفه بالمقاربة الشمولية الموضوعية التي من خلالها بحث في الأحداث والشخصيات والأفكار، بتجرد عاطفي ونزاهة فكرية، فكان عمله علميا من حيث المنهج، تربويا من حيث التوجه، وطنيا من حيث الرؤية. نقتطف من خاتمته هذه الفقرة:
“إذا كان الريف محط أنظار الغزو الامبريالي (رغبة في احتلاله) فإن ذلك لم يكن سهلا بسبب ظهور حركات مقاومة شرسة متنوعة في مختلف أرجاء الريف، ورغم اختلاف الأصول الاجتماعية لقواعد وزعامات هذه المقاومات، فإن الخط الرابط بينها هو تشبعها بالروح الوطنية، فمواجهتها للعدو كان في آن دفاعا عن القبيلة وحماية لوحدة الوطن، فقاومت بالسلاح بعدما أدركت، أن الحوار السلمي والسياسي الذي كان غير مجد لرد العدو عن أطماعه.
بل كثيرا ما تواضع زعماء هذه المقاومات، وأبانوا عن التحامهم مع السلطة المركزية التي ظهرت ضعيفة مغلوبة على أمرها، إذ رفضوا البيعة التي قدمت لهم من طرف الأهالي، لكون البيعة توجد في عنق السلطان.
كما أن عمل هذه الحركات كان متكاملا فيما بينها، فكلما توقفت أو انتهت في منطقة ما، إلا وانطلقت مقاومة أخرى، سرعان ما يلتحق بها من تبقى من المقاومين لمؤازرتها، وبذلك تكون معبرة عن حسها الوطني في الدفاع، وليس القبلي كما يذهب البعض، ويتوضح هذا الوعي الوطني، عندما نجد بعض المقاومات التي ظهرت في نفس الفترة تعمل على تنسيق جهودها لتحرير الوطن والقضاء على العدو”.
الكتاب من القطع الصغير، يقع في 150 صفحة، معزز بمجموعة من الصور التاريخية، والمخططات، وينتهي بقائمة ببليوغرافية وفهارس.
(ميدل ايست اونلاين)