«ناركوس»: حكاية الشيطان المقدس

بلال شحادات

جاء الموسم الثاني من مسلسل «ناركوس» ليُكمل حكاية ملك الكوكايين بابلو اسكوبار (1949-1993)، ويصل إلى لحظة موته على يد شرطي أميركي. نهاية هذا الموسم تقدم كثيراً من الأسئلة بدلاً من الإجابات. مات إسكوبار وأميركا لا تزال تستقبل بطرق غير مشروعة ما يقارب الثلاثمئة طن من الكوكايين سنوياً، ومن كولومبيا تحديداً، وبمعنى آخر: مات الملك..عاش الملك!
أنتجت شركة «نتفليكس» المسلسل بموسميه (كتابة كريس برانكاتو وكارلو بيرنارد وإخراج أندريه بايز) وقدّم الممثل البرازيلي واغنر مويرا شخصية البطل بابلو اسكوبار، وأدّى الممثل وعارض الأزياء بويد هولبروك شخصية ستيف مورفي (عميل مكافحة المخدرات الأميركي).
ينتهي الموسم الأول بحصار الجيش الكولومبي لسجن بابلو اسكوبار الذي اختار مكانه بنفسه وأشرف على بنائه وسجن نفسه فيه مع أفراد عصابته. أدار اسكوبار من سجنه تجارة المخدرات واستمرّ في إرهاب الحكومة الكولومبية وهو قابع خلف القضبان التي أشرف على تصميمها. أما الموسم الثاني فيبدأ من لحظة اقتحام الجيش للسجن وهروب اسكوبار ومعاناته في إيجاد ملجأ آمن وخسارته للمخلصين من حوله بعد تضييق الخناق عليه. خلال الحلقات العشر يتابع المشاهد أفول وانهيار امبراطوية بابلو اسكوبار حتى لحظة مماته المهينة على سطح قرميدي لبيت متواضع في مدينة ميدلين الكولومبية.
يمتاز الموسم الثاني باقترابه من الوثيقة التاريخية مقارنة بالموسم الأول الذي ركز على «الأكشن» وعنصر المفاجأة واستعرض التطور السريع للبطل من مجرد سارق دراجات إلى زعيم امبراطورية الكوكايين في كولومبيا، متجاهلاً إلى حد ما حياته الاجتماعية وعلاقته مع الشعب الكولومبي. من الواضح أن الهدف هو إدانة البطل لا الإشادة بإنجازاته، وذلك تبعاً للطريقة الأميركية في تمرير الرسائل لخدمة مصالحها.
بابلو إيميليو اسكوبار غافيريا جامع المتناقضات. الشيطان المقدس. روبن هود كولومبيا، قديس ميدلين مدينته الأم، بارون الكوكايين، وعرّاب الموت. سابع أغنى رجل في العالم، امتلك ما مجموعه 30 مليار دولار، جمع ثروته من تجارة الكوكايين وغسيل الأموال. أسس امبراطوريته على القتل والرعب والإرهاب وارتكاب المجازر، في المقابل ساهم في إطعام الفقراء وبناء المساكن الشعبية والكنائس والمدارس والمشافي في كولومبيا.
تمر في الموسم الثاني مشاهد عدة تعكس طبيعة بابلو المتناقضة، منها على سبيل المثال قيامه بإحراق مليوني دولار في الموقد ولتشعر ابنته بالدفء، ما يعكس ارتباطه العميق بأسرته، وعدم اكتراثه بالمال. وفي مشهد آخر خلال مواجهة قصيرة مع والده، يسرد اسكوبار ما يعتبره أهم إنجازاته أي الوصول إلى الكونغرس الكولومبي، وامتلاك ثروة باهظة، وشهرة عالمية، ثم يسأله عن شعوره تجاه ابنه ليجيب الوالد بكل ثقة: إنني أشعر بالعار..!
جدير بالذكر أن حكاية المسلسل كلها تُروى عن لسان العميل ستيف مورفي الذي لاحقه في الحقيقة لسنوات عدة حتى أطلق عليه الرصاص وأرداه قتيلاً. لذلك تعكس الرواية وجهة النظر الأميركية المراد إيصالها إلى الجمهور. وعلى الرغم من أن المسلسل يخص حياة اسكوبار، إلا انه حمل عنوان «ناركوس» وهي عبارة تختصر تجار المخدرات باللغة الاسبانية. قد يدل العنوان على احتمال أن يتحول العمل إلى سلسلة قصص عن تجار ورثوا المهنة من بعده، ضماناً لمواسم أخرى لا تتوقف عند شخص بعينه.
مسلسل «ناركوس» دراما يختلط فيها الدم مع الكوكايين، الأخيار مع الأشرار، الحب مع العنف. وإذا وضعنا الايديولوجيا والبروباغاندا الأميركية جانباً فإننا أمام قصة متماسكة ومتكاملة العناصر، تدمج الحقيقة التاريخية مع الخيال الدرامي بحرفية عالية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى