نساء ريم القمري ينتظرن الوقت

هيام الفرشيشي
صدر ديوان “النساء انتظار” لريم القمري عن دار إلهام للنشر في الجزائر في 2014 وقام بتقديمه الروائي الجزائري واسيني الأعرج. وقد جاء في 103 صفحات، وهو غزير القصائد مكون من ستين قصيد.
• العنوان
ينتهي العنوان بنقاط تفتح الانتظار على احتمالات لا تحصى، متسع للعاطفة ومتسع للشوق، للحنين وللخيال، وخيال الأنثى خيال الجسد الذي يستيقظ على رغبات حرب وسرير وحب، إنها شهوة لغة شبقة، صوتها السيكولوجي صهيل، انتظار لوجه غاب في الزحام.
وحدها اللغة تنتشل العاطفة من متاهة الذكريات وفخاخها وتلك الوجوه التي انقضت. وفي العاطفة رغبات إيروسية، شمس ونار ولحن ثائر، ورغبات الأنثى. وما الآخر إلا مرآة تنعكس عليها آثار اللحظة الإيروسية، واللغة هي اللوحة التي تحتمل ألوانا حادة وضجيج الجسد في قصيد “نصف الأشياء اكتمال النقصان” (ص37).
يبدأ الديوان بقصيد “انتظار الوقت” وينتهي بقصيد “العاصفة”، والوقت كما العاصفة، كما الحزن حالات تحمل وزرها تخفي تقاطيعها ابتسامة ماكرة غير أن اللغة وحدها تطفو على آثار العشق، وهي التي تتخفى بين طياته في “خارج اللغة داخل الحب” (ص34) وهي التي تحمل إنشائية التعبير عن العاطفة.
• سرد قصصي
لا تخلو قصيدة النثر من خصائص السرد، حيث تروي لنا القصص بطرق وأساليب مختلفة، تتحرك من خلالها الشخصيات وتقتحم فضاءات الزمان والمكان والحلم والواقع، ولئن طغى عليها البعد النفسي الداخلي فهي تجبرنا على اقتفاء آثارها كخطوات تنفذ بنا إلى الحقيقة المتخيلة أو تزرع فينا بذور الشك حين تدخلنا إلى متاهة السرد الشعري.
يبدو قصيد “وجع” (ص43) كجزء من قصة لم تكتمل، أحيانا يتحول الى وهم ضاجع ذكريات ميتة، (ص 48)، ولكنه عبر عن عاطفة خرجت عن الشيء المعتاد والصور المألوفة، انعكاس لمرآة أخرى، الحب هو فن رسم لوحة متكاملة الجسد والروح، الصورة والمعنى، المشهد والظل (ص51) في قصيد “في الحب”، هو لحظة صوفية تمنحها لمن تحب يفيض بها الجسد، ينتشي القلب، فتلامس الشاعرة حالة الفرح.
ولو قرأنا القصائد مكتملة فنحن إزاء قصة ذات عاشقة تجدد عشقها في مرايا المحبوب بالغياب وتنسج من تفاصيل اللغة اختلاجات عاطفة. تتقنع بالصور المشرقة. فالحروف تغوي كما القصيدة بالبوح في قصيدة “دربي قصيدة” (ص77).
• صور شعرية مركبة
تنسج ريم القمري الصور الشعرية المركبة التي تمزج الصور الحسية باعتمالات النفس، ففي قصيدة “الليل حبيب حبيبه”:
أعبر الليل بهدوء، ألتحف الظلام وأمضي، أعانق شغفي والأحلام، وأنت غيمة هاربة، والليل أغنية عيد بعيد، الأقمار تسري في دمي.
تعتنق الليل في قلب القصيدة، والليل حبيب حبيبه، أما حين تقرأ القصيدة كاملة فتسيطر عليها الصورة الكلية التي تنفذ من خلالها كل صور القصيدة الى صورة جامعة تمزج بين النور والعتمة، بين الشعر كنشيد والشعر كحلم يشبه غيمة، فالعاطفة التي انبثقت عنها الصورة الشعرية، تضيء في ظلام نفس حالمة، ولكنها لا تعبر عنها عن طريق الخواطر بل تجسدها في صور قريبة من عناصر الطبيعة.
• الزمن النفسي
الزمن الذي يوجه قصائد ريم القمري هو زمن يغذيه إحساس ايروسي فيتدفق وينسج عوالمه بحرية. والايروس هو إلاه الحب والرغبة والانتشاء والمجون وعدم كبح التعبير عن الحب الجسدي. إنه الحب الخصب المفتح الشهية على الحياة العاطفية. هذا الإحساس هو كتلة الشعرية في القصيدة. هو الذي يصنع الصورة في حالات التخيل والهذيان والتحرر من قيود العقل. حتى وأن اللغة تمنح لنا إشراقات ورائية وتتموج كمياه النهر وتهب كنسيم صيف وتوجه أذهاننا نحو التمعن والتأمل كأننا جالسون فوق ربوة نرمي بحجارة على الأمواج الساكنة فنستمتع بشكلات العمق.
• اللغة الشعرية
اللغة الشعرية عند ريم القمري تميل الى البساطة، ذات إيحاءات نفسية، تنسج بأسلوب سلس، تتيقظ فيها حاسة الرؤية وتتغذى بالتأمل حيث تنعكس المفردة الحسية في معنى تخيلي نفسي، وهي المفردة المخضبة بالجمال، المتيقظة، بحيث لا تحمل لغتها صور الكبت وشذرات اللاشعور مجزأة متناثرة، بل تحول العاطفة في كل حالاتها الى صور محتفية بحياة الروح والجسد ولها عطرها الذي تسكبه في الصور الجميلة المحاطة بالوجع كالوردة تتعطر بالشذى وتحمي نفسها بالأشواك.
وتستعمل ريم القمري المفردات التي لها وظيفة نفسية تأملية، مثل الليل والظلام والغيمة والأقمار، وتحيل إلى فضاءات علوية وأخرى تعبر عن الجانب الحسي مثل الدم الذي يسري في الشرايين والقلب، فهناك اندماج بين الحس والإحساس وبين الجسدي المادي والمتخيل. وهي مفردات تنبلج من عاطفة مرهفة شفافة رهيفة وخيال شفيف، فالعاطفة تتعرى تماما وهي تنسج عوالمها الشعرية.
“النساء انتظار”.. هو باكورة ريم القمري الشعرية التي صدر لها هذه الأيام ديوان جديد هو “على جسدي وشمت تمائمي”.
(ميدل ايست اونلاين)