معرض الخرطوم الدولي للكتاب

محمد عبد الرحيم
كان لأغلفة أعمال نجيب محفوظ ــ طبعة مكتبة مصر ــ الإيحاء القوي بما يحمله هذا العمل أو ذاك من أعمال صاحب نوبل عما تدور حوله الرواية أو المجموعة القصصية. فدائماً ما كنا نتوقف عن القراءة وننظر إلى الغلاف، ونستحضر صاحب الوجه المرسوم أو الوجوه المرسومة، التي تجسدت أمامنا عبر كلمات الرواية. مجاذيب وأفندية ونساء مختلفات يتصدرن دوماً لوحة الغلاف، في زينتهن ونظراتهن المغوية أو المنكسرة، التي في جميع الأحوال توحي بغموض كبير يحيطها، ويخلق حولها هالة من التقديس. هذه هي حالة التجسيد الأولى لشخصيات محفوظ، التي خطّها الفنان الراحل جمال قطب (1 أكتوبر/تشرين الأول 1930 ــ 16 أكتوبر 2016). في شكل تعبيري واقعي، ففي لوحة واحدة/لوحة الغلاف نلمح الحارة وأزقتها، والشخصية ومصيرها، وحيرتها وحياتها، حتى أن الأفيشات السينمائية لبعض أعمال محفوظ استوحت الكثير من أغلفة هذه الأعمال. ورغم أن قطب لم تقتصر أعماله التشكيلية على أعمال نجيب محفوظ، فقد رسم أغلفة كتب العديد من أدباء وكُتاب مصر، مثل طه حسين، يحيى حقي، توفيق الحكيم، يوسف إدريس، وغيرهم، إلا أن ارتباطه بمحفوظ أكثر. إضافة إلى بورتريهات لأشهر الشخصيات الأدبية والفكرية العربية، منهم على سبيل المثال لا الحصر أمين معلوف، يوسف الشاروني، عز الدين المدني، محمد مفتاح، مصطفى عبده ناصف، أدونيس، محمد البساطي، عبد الوهاب المسيري، شكري عياد، أحمد عبد المعطي حجازي، جابر عصفور وزكي نجيب محمود.
الواقع المصري
رغم الثقافة الموسوعية للفنان جمال قطب، ورحلاته الدراسية إلى العديد من البلاد كالولايات المتحدة واليابان ــ والأخيرة مؤثرة كثيراً في حياة الرجل ــ إلا أن تفاصيل الحياة المصرية كانت الأثر الأكبر الذي نلمحه في أعماله، تلك التي فرضتها الموضوعات كما في أعمال نجيب محفوظ على سبيل المثال، إلا أن الصورة الحية لمصر والقاهرة بوجه خاص هي ما حاول جمال قطب تجسيدها والإيحاء بها عبر لوحاته. نلمح الحواري والأزقة والمباني الأثرية التي تعبّر عن القاهرة القديمة، حتى أنها تبدو ــ وهي كذلك ــ كالأماكن المقدسة، حيث التكايا والأسبلة، بدون تكلف أو الانشغال بتفاصيل المبنى، يكفي مأذنة أو سور عتيق، أو حارة ضيقة من البازلت، مسجد أو بار، مقهى أو ضريح، للمشاهد أن يتفاعل مع تفاصيل اللوحة، ويستكمل الحالة التي تعبّر عنها.
حتى في رسم بورتريهات الشخصيات الشهيرة، نجد استلهام حياة الشخصية ومدى إنجازها الذي حققته، وروحها من خلال أعمالها، كمحفوظ بوجهه المرتفع قليلاً، الذي ينظر دوماً إلى الأمام، أو طه حسين الذي تعلو وجهه الابتسامة الرحيمة والمشفقة على قاصري العقول، التي تأمل في جيل جديد قادر على مواصلة الطريق. هكذا أرى وجوه هؤلاء بريشة جمال قطب، وهو ما يختلف تماماً في الصور الفوتوغرافية المأخوذة لهم. فالرجل استلهم ملامحهم من أعمالهم وما توحي به، وأفكارهم التي حاولوا التعبير عنها من خلال كتاباتهم وآرائهم ومعاركهم الفكرية.
الحركة والفعل
لم نر لوحة من لوحات الفنان جمال قطب إلا وشخوصها دوماً في حالة فعل، حتى الوجوه التي تبدو في حالة تأمل، تتجسد الحركة في نظرة عين الشخصية وتعبيرات وجهها، ولنا أن نتخيل ما تنتويه أو تريده ــ نتحدث عن اللوحات/الأغلفة، أو الرسومات الداخلية في بعض الأعمال الأدبية. فالمسألة لم تكن ترجمة حرفية للعمل الأدبي، بل إيحاء للكلمة المقروءة وتجسيدا قويا لممثليها من الشخصيات، إضافة إلى التنوع في ملامح الشخصيات وتفاصيلها. ورغم أن هناك بعض اللوحات تحمل مبالغة في الحركة، لفتة انفعالية، أو حركة يد، حتى أمارات الخوف التي تعلو ملامح بعض الشخصيات، إلا أنه من الممكن اعتبار هذه المبالغة ضمن بلاغة الصورة كما في بلاغة الكلمة المكتوبة. فالرجل يميل إلى الكلاسيكية والأعمال الكبرى في الفن التشكيلي ــ أعمال ما قبل الفوتوغرافيا ــ حيث قوة اللون والحركة والتعبيرات الجسدية وملامح الوجه وإيماءاته.
من ناحية أخرى هناك حالة من البهجة في اللوحات/الأغلفة مهما كان العمل الأدبي يحمل من مأساة، تبدو البهجة في اللون ووجه المرأة التي تتصدر دوماً اللوحة، ليصبح في العمق باقي الشخوص، وحالاتها المتوترة دوماً. هناك حالة من الدراما تتمثلها اللوحات. ولنا أن نعقد مقارنة بسيطة بين أغلفة الأعمال التي رسمها قطب، والأغلفة الحديثة لهذه الأعمال ــ أعمال محفوظ خير مثال ــ والمقارنة في جميع الأحوال ستكون في صالح الفنان جمال قطب.
بيبلوغرافيا
ولد الفنان جمال قطب في عام 1930 في مدينة طنطا في محافظة الغربية شمال مصر، وحصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم التصوير. عمل رساماً في مؤسسة دار الهلال وهو لا يزال طالبا في كلية الفنون الجميلة، ثم أصبح الرسام الأول لمجلات دار الهلال بعد تخرجه. عمل مستشاراً فنياً لمؤسسة دار الهلال، محاضراً في جامعة قطر وخبيراً للفنون فيها، ثم أستاذا لمادتي التذوق الفني وتاريخ الفن في أكاديمية الفنون في القاهرة. في عامي 1976، 1977 قام بإنجاز اللوحات التاريخية لمتحف دار الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية. قام بإعداد متحف التراث في الدوحة، كما قام بتأسيس المرسم الحر في الدوحة حيث تخرج على يديه العديد من الفنانين القطريين.
الكتابات والمؤلفات
أسهم بكتاباته في عدة صحف ومجلات عربية وعالمية منها جريدة «الهيرالدتريبيون» الأمريكية. كذلك كتابة الأبواب الثابتة في عدة دوريات مصرية وعربية، منها مجلة «الدوحة» القطرية تحت عنوان (روائع الفن العالمي)، جريدة «الرياض» السعودية، ومجلة «الحرس الوطني» السعودية تحت عنوان (الفن والحرب)، جريدة «الراية» القطرية، إضافة إلى كتابات متفرقة في كل من مجلة «العربي»، «المجلة العربية»، «الجوهرة»، و«سيدتي». كما قام بتأليف عدة كتب موسوعية مهمة في تاريخ الفن التشكيلي العالمي، هي .. «الفن والحرب»، «ملهمات المشاهير»، «روائع الفن العالمي»، «أشهر الرسامين والموسيقيين»، «الملهمات في الفن والتاريخ»، و«فلسفة الرؤية في التأثيرية والفن الحديث».
الجوائز ..
الجائزة الأولى من وزارة الثقافة أعوام 1988، 1989، 1990 عن لوحاته لكتب الأطفال. جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1994 عن كتابه «ملهمات المشاهير». تكريمه ضمن فعاليات معرض الرسوم الصحافية، الذي أقيم في قصر الفنون عام 2004