«مهرجان الأفلام الروسية» في بيروت.. بعيدا من كبار المعلمين
علي زراقط
روي فيلم «عن الحب»، للمخرجة الروسية أنّا مليكيان، ست قصص حب في قالب من الكوميديا الرومنسية التي تحمل في طياتها نزعة سوداوية على الرغم من توجه الفيلم للجمهور العريض. لم يتعوّد محبو الأفلام أن يشاهدوا سينما روسية من النوع التجاري، أي تلك التي يمكن أن نصنّفها في الخانة الأقرب إلى الأفلام الهوليوودية، أو الأوروبية التجارية. إلا أنه يمكننا أن نستنتج من البرمجة التي يقترحها «مهرجان السينما الروسية» الذي انطلق في الرابع والعشرين من تشرين الأول في بيروت، أن هناك نيّة لتسويق السينما الروسية على أنها ليست فقط عبارة عن التقاليد الموروثة عن كبار المعلّمين الذين طبعوا الذاكرة بأسمائهم من أمثال فيرتوف، أيزنشتاين، بودوفكين، تاركوفسكي، ميخائيلوف، سوكوروف وآخرين كرّسوا النظرة الجدية والمعمّقة إلى الحياة. إنه الانطباع الذي يتولّد لدى محب الأفلام عندما تذكر السينما الروسية بأنها تلك السينما التي تحمل خلف كل لقطة فلسفة، وحيث كل علاقة هي مثال ورمز، وكل نظرة مرآة.
إلا أن ما يقترحه علينا المهرجان الجديد، هو أن ننظر إلى السينما الروسية بعين أخرى. هي سينما تمتلك من الأفلام مروحة تبدأ بالدراما، ولا تنتهي بالحركة مارة بالكوميديا، الإثارة والرعب.
الشغف المشترك
«عن الحب» تتكلّم أنّا مليكيان، في قصص صورتها الظاهرة هي التلاقي فيما باطنها هو الوحدة وخداع النفس. في القصة الأولى يجتمع الشاب والفتاة من خلال هوايتهما المشتركة ألا وهي «الأنيمي» (التحريك الياباني)، الذي يشكل بالنسبة إليهما نوعاً من الهروب وحماية النفس من مواجهة الحياة الواقعية. عندما يقرران أن يخرجا من عباءة الأنيمي هذه، والدخول في المجتمع العادي يجدان أن ذلك يفقدهما شغفهما المشترك. فإما أن المجتمع يعيش بلا شغف لذلك هما بحاجة لهجرانه لاكتشاف الحب في داخلهما، أو أن حبهما هو خداع يقنعان به نفسيهما، كما يقنعان نفسيهما أن الأنيمي هو عالمهما الحقيقي. من خلال هذه النظرة الملتبسة إلى العلاقات تبني مليكيان نوعا من الكوميديا الجاذبة للجمهور، وتحاول تضمينها معاني وأسئلة أكثر عمقاً كالبحث عن الهوية، أو الاستغلال الجنسي، وعلاقة الجنس بالمال والسلطة (تبدو هذه المواضيع مقحمة) فنشاهد صبية يابانية تتوالى في المواعيد الغرامية المدبّرة مسبقاً عبر الانترنت، بحثاً عن فارس الأحلام الذي تريده روسياً نظراً لغرامها بالثقافة الروسية. إلا أنها لا تجد بين من واعدتهم من يستحق العناء، لتقع في النهاية على شاب ياباني يبدو لها أنه على إلمام بالثقافة الروسية أكثر من الجميع. نتابع مع مثلث حب بين امرأة وصديقها المفلس من جهة، ومديرها الذي يغريها بالمال من جهة أخرى. ثم نشاهد مثلث حب آخر بين فنان يحب الجمال النسائي فلا يستطيع القرار على شريكة واحدة، ليقع في حب اثنتين. عندما تعلمان تمنحانه الحب معاً، لتسألاه في النهاية «ما هو الحب»؟
لا يبدو أن الفيلم يحاول أن يجيب عن هذا السؤال، هو فقط يدور حوله ليقول إنه لا يعلم، أو ليسأل أسئلة أخرى ويفتح قصصا جديدة. «عن الحب» ليس أهم الأفلام الروسية، ولا يعبّر بالتحديد عن تمايز السينما الروسية، إلا أنه فيلم كوميديا رومنسية جيد، يحدث أنه روسي. كما لو ليقول لنا مع المهرجان الذي يعرضه، إنه علينا أن ننظر بعين أخرى إلى السينما الروسية وأن نرى إليها على أنها صناعة، وتجارية أيضاً.
خيارات صعبة
تم افتتاح المهرجان بعرض فيلم Ice-Breaker «كاسر الجليد»، الذي تم إطلاقه مؤخرًا في روسيا، ويروي قصة حقيقية لانهيار جبل جليد خلال عبور سفينة وطاقمها بقربه، لنعيش معهم طريقهم إلى النجاة خلال إبحارهم في مياه جليدية وفي خطر الجوع وانتهاء الوقود. فيلم يصنّف من ضمن فئة أفلام الكوارث الطبيعية من إخراج نيكولاي خوميريكي. وقد اختار القيمون على المهرجان مجموعة من الأفلام التي لاقت رواجاً خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهي متنوعة بين الأفلام الروائية الطويلة، الأفلام الوثائقية، والأفلام القصيرة وأفلام التحريك.
من الأفلام المعروضة فيلم The Crew الفيلم الرّوسيّ الأول الذي وزّع في لبنان في حزيران 2016، الذي يروي قصة طيار شاب يواجه خيارات صعبة خلال كارثة جوية. وفيلم The Duelist عُرض للمرّة الأولى في العام 2016 في مهرجان تورونتو الدّوليّ للأفلام. وتضم العروض أفلامَ الصّور المتحرّكة القصيرة والحائزة على جوائز ومنها Listening to Beethoven عُرِض في مهرجان كان السّينمائي وفيلم We Can›t Live without Cosmos المرشح لجوائز الأوسكار للعام 2016 وفيلم The Last One المختار ضمن المجموعة الرّسميّة للأفلام المعروضة في مهرجان كان السّينمائي للعام 2014. إضافة إلى ذلك، ستحظى الموسيقى أيضًا بأهميّة كبيرة في خلال الحفل الختاميّ للمهرجان، فسيتّسم المهرجان بمرافقة موسيقيّة حيّة لأليكسي آيغوي، أحد أشهر المؤلفين الموسيقيّين الرّوس، وفرقته الموسيقيّة في مزيج من موسيقى الروك والجاز والإلكترونيك والكلاسيكيّة.
(السفير)