هل تُنهي الموسيقى حرب سوريا كما بدأت.. «متل المنام»؟

روز سليمان
كان من الممكن لـ«متل المنام» أن يكون عنواناً لفيلم سينمائي أو لوحة فنية، لكنّ الحرب أرادت له أن يكون عنوانًا لأغنية، واسماً لألبوم موسيقي تيمته الأساسية الحلم بانتهائها؛ أتى شفّافاً وأميناً للسوريّ المتألم.
أنتج الألبوم موسيقيون وكتّاب سوريون مقيمون في دمشق، ودعمته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا. يضمّ «متل المنام» خمس أغاني باللهجة العامية، ألّف موسيقاها خالد رزق، هي: «مين اللي قال»، و«متل المنام»، و«شو بخاف»، و«بضحكة وبسمة»، و«الأحلام».
تتميز موسيقى الألبوم بعذوبة النبرة ورهافة العزف والأداء معبّرةً عن شعور جمعيّ يحمل الأسى والحبّ والحنين. أتت كلمات الأغاني سهلة بلغة بسيطة بإمكان الجميع الاتفاق حولها، تبتعد عن ضجيج السياسة واختلافاتها في ملامسة للمساحة الإنسانية قبل كل شيء؛ ولاحقاً يمكن للمعايير الفنية والنقدية أن تأتي!
يبدأ فيديو أغنية «مين اللي قال» (3:29 د.) بعرض صور لأطفال نازحين، ولاجئين عبر البحر إضافة إلى لقطات لأطفال يلعبون في الدمار. تقف تانيا صقال في إحدى المناطق المدمّرة واضعة على كتفها غطاء من الصوف وتغني «مين اللي قال اتقاتلوا مش حرب يللي صار. يمكن ماعاد تحمّلوا عم يلعبوا الكبار». يتابع الشريط من إخراج يزن السيد بلقطات مصورة بالأبيض والأسود للمغنية برفقة عازفين على خشبة مسرح خالٍ من الجمهور. تضيف كلمات الأغنية التي كتبها عدنان الأزروني «..بين السفر بين البحر بين الغرق والنار. كل الحكاية ع الورق عم يلعبوا الكبار».
في المقابل يغني محمد قباني «متل المنام» (2:50 د.)، بلا فيديو مصوّر وكلمات للأزروني، «متل المنام لا كان الحلم عبالي ولا كنت غافي.. نصب خيمة وغفي ولا العيد جايبلو معي ولا في سلام..». في أغنية «شو بخاف» (3:13 د.) يغني بلال الجندي كلمات طارق اللابد «شو بخاف إني ضيّعك شو بخاف نسمة هوا تشلحك.. وبخاف عليك من العطر وبخاف من كل الزهر وبخاف إني أعشقك». كما يؤدّي مجموعة من الأطفال «بضحكة وبسمة» (3:45 د.) كلمات اللابد التي تقول «عطونا من أرضنا تذكار شي زهرة تُنهي الحكاية لا تسألوا شو يلي صار عبلادنا بكرا الفرح جايي». نستمع في الألبوم أيضاً إلى «الأحلام» (2:38 د.) غنّتها أريج الزيات وكتبها الأزروني «متلي متل الولاد تركت القمر يضوّي عسطح ونزلت حتى نام.. الأحلام كانوا كبار الولاد متلي صغار كل واحد بدورو تعلّق بحلم وطار».
تقول قصة جندي عائد من الحرب في أفغانستان (1979-1989): «جاءت إلينا مغنيّة، امرأة حسناء، وأغانيها مؤثرة. صعدت على خشبة المسرح: «حينما جئت إليكم سمحوا لي بإطلاق النار من المدفع الرشّاش. وقد فعلت ذلك ببالغ السرور». وصارت تغني وتطلب منا الترديد: «يا شباب، هيّا صفّقوا! صفّقوا يا شباب!». لكن لم يصفّق أحد. لقد صمتوا. فخرجتْ، وفشلت الحفلة الغنائية».
في الحرب يودّ الجميع أن يكونوا «عاديين»؛ لكن الموسيقى لن يسمعها كلّ الجنود على جبهات القتال ولن يصغي إليها غالبية السياسيين. فما الذي يمكن أن يحقّقه «متل المنام» بعد خمس سنوات، أنتجت 13.5 مليون سوري بحاجة ماسّة للمساعدة الإنسانية!
هل فعلاً بقي للموسيقى طابعها «الرسالي» كما أرادها القائمون على المشروع، في وقت أكثر ما يحتاجه السوريون اليوم هو العقلانية للقدرة على الاستمرار؟ لكن مهلاً ربما تحتاج هذه البلاد دون غيرها إلى مثل هذه الاشتغالات حتى تنطفئ حروبها؛ وفنانون يعملون لقصّ أجنحة عنفها. إنها صورة متفائلة عن سوريا، كما يجب أن تعود من رحلة الحرب ربما!
(السفير)