‘البئر’ الجزائري يتطلع إلى اللائحة النهائية لجائزة الأوسكار

صابر بليدي
رغم عدم تحمس الكثير من النقاد والمتابعين للشأن السينمائي في العالم العربي، لدخول السينما العربية القائمة النهائية المتنافسة على جائزة الأوسكار في طبعتها الـ89، إلاّ أن البعض يمنح فيلم “البئر” للمخرج الجزائري لطفي بوشوشي، والكاتب ياسين محمد بن الحاج، حظوظا ليكون حاضرا في القائمة النهائية، ويستند في ذلك إلى دور صاحب السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي محمد لخضر حامينة في إنجاز العمل، واللمسة الفنية العالمية التي أفضاها المخرج على الفيلم، وعلاجه لقضية إنسانية ترتبط بالوجه البشع للاستعمار.
ويعد فيلم “البئر” ثالث أعمال المخرج الشاب لطفي بوشوشي، الذي استطاع باحتكاكه المباشر مع العائلة السينمائية الصغيرة والكبيرة، أن يضع بصمة خاصة على السينما الثورية في الجزائر بعد سنوات من الانقطاع، وتمكن من تجديدها عبر تقديمها في قراءة جديدة، تعتمد على الصورة الفنية المبهرة والإبحار في البعد الإنساني لحركة التحرير.
ولا يستغرب المختصون نجاح المخرج في أعماله السينمائية، فقد نشأ في بيئة فنية واحتك باستمرار مع بلاتوهات التصوير وبفنانين ومخرجين كبار على غرار محمد لخضر حمينة، أحمد راشدي، موسى حداد ومرزاق علواش، وهو ما تجلى في الاختيار الدقيق للنص السينمائي وللفنانين الذين يظهرون في “البئر” من مختلف الأجيال، وقاسمهم الأكبر القدرة على تقمص الشخصيات وأداء الأدوار.
ووظف بوشوشي المهارات الفردية للشباب واستثمر في خبرة المخضرمين، حيث أبدعت الممثلة نادية قاسي في دورها، وأدى الفرنسي لوران مورال دور الضابط الفرنسي بامتياز، وتدعم جهد الممثلين الشباب بخبرة محمد أدار وموني بوعلام وغيرهما، في إبراز معاناة سكان القرية مع قرار السلطة العسكرية الاستعمارية القاضي بحرمانهم من الماء، عقابا لهم على تعاونهم مع الثوار، وأظهروا ملامح ومعالم الصمود أمام القهر المسلط على الجزائريين العزل، واستبسالهم في عدم الإبلاغ عن هوية ونشاط الثوار.
واحتضنت أحداث الفيلم، قرية نائية في الريف الجزائري، عنوانها البساطة والعفوية، فكانت أزقتها وتلالها مسرحا لأحداث قصة تختصر معاناة إنسانية، أبطالها جزائريون عانوا من بشاعة الاستعمار ووحشيته، ودارت فصولها حول قيم الحرية والصمود والتضحية، وثوابت الماء والحياة كقيم إنسانية.
وعلى مدار ساعة ونصف الساعة يروي الفيلم، معاناة سكان قرية نائية في الجنوب الجزائري، حيث الماء هو عنصر الحياة، وتظهر نساء وأطفال القرية تحت حصار قوات الاحتلال الفرنسي، حيث تمنع عنهم التزود بالماء من البئر الوحيدة في القرية، كسلاح للضغط عليهم وتعذيبهم من أجل البوح بمكان وجود جنود وضباط فرنسيين تم اختطافهم من قبل المجاهدين (الثوار) الجزائريين، حيث لا يتوانى الضابط الفرنسي في قتل كل من يريد الخروج من كوخه أو مغادرة القرية للبحث عن الماء.
واستطاع المخرج لطفي بوشوشي، توظيف التقنية السينمائية بشكل مبهر، حيث جاءت الصور وكأنها لوحات زيتية رسمت لتجسد ملامح المعاناة الإنسانية، في بيئة تقتل فيها الحياة بشكل بطيء، لتتفاقم معاناة الأهالي يوميا مع استمرار الحصار المُطْبق والضغط النفسي ونفاد الماء لدى العائلات، وموت الماشية وظهور علامات الجفاف على أجساد الأطفال، وفي المقابل هناك عقيدة التوق إلى الحرية ورفض الأمر الواقع، تتجلى في شجاعة نسوة القرية على غرار فريحة وخاصة خديجة التي فقدت ابنتها خلال الحصار، واللاتي يقررن الخروج عن الحصار ومواجهة رصاص القناصة الفرنسيين.
منذ الإعلان عن تقديم فيلم “البئر” لمسابقة الأوسكار، حظي طاقم العمل بقيادة المخرج لطفي بوشوشي والكاتب ياسين محمد بن الحاج، بالتفاف ودعم كبيرين من قبل الفنانين والنقاد والمخرجين وجمهور السينما ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي، نظير الطفرة التي حققها للسينما الجزائرية، وللسينما الثورية تحديدا، التي شهدت تراجعا رهيبا في السنوات الأخيرة، رغم ما لثورة التحرير من زخم تاريخي كبير.
وعبر المخرج أحمد راشدي، عن إعجابه بالعمل ودعمه له، بينما أشاد محمد حازورلي بمستوى الفيلم وبإمكانيات المخرجين الجزائريين في الإبداع، أما الناقد أحمد بجاوي فقد اعتبر الصورة السينمائية التي قدمها لطفي بوشوشي في “البئر”، تعدّ عالمية بكل المقاييس، في حين طالب صاحب السعفة الذهبية لـ”كان” 1975، المخرج محمد لخضر حامينة، بضرورة الالتفاف الرسمي والجماهيري حول “البئر”، لأنه يستحق هذه المغامرة.
أما وزير الثقافة الجزائرية عزالدين ميهوبي، فقد أمر بتأسيس لجنة خاصة لترقية وتسويق الفيلم إعلاميا وجماهيريا من خلال برمجة أكثر من 23 عرضا سينمائيا خاصا، وعرض خاص بدار الأوبيرا الجزائرية نهاية الشهر الجاري، كتفعيل أكبر لحملة الدخول إلى قائمة الأوسكار النهائية.
(العرب)