نوبية في شوارع القاهرة: الكاميرا في خدمة التنوع

مصطفى فتحي

حين دخلت «داليا»، الفتاة المصرية السمراء أحد مقاهي وسط القاهرة، نظر باتجاهها عدد من الموجودين باستغراب، محاولين استيعاب فستناها المستوحى من تراث بلاد النوبة (المنطقة التي تشمل شمال السودان وجنوب مصر على طول نهر النيل). بعد لحظات عادت الامور إلى ما كانت عليه قبل دخول الفتاة النوبية وكأنهم تقبلوا وجودها بينهم. في تلك الاثناء كانت كاميرا «كوثر علي» توثق المشهد ضمن مشروعها المصور «نوبية في قاهرة المعزّ»، لنشر ثقافة التنوع والاختلاف في مصر.
صاحبة الفكرة هي نفسها «الموديل» التي تظهر في الصورة، داليا شعبان، مصرية نوبية تعيش في القاهرة. لاحظت داليا أن عددًا لا بأس به من المصريين لا يعرفون الكثير عن النوبة، عن فنونها وثقافتها وتاريخها ولغتها، ويظنون أن المحروسة هي القاهرة فقط. تمنت الفتاة أن تنقل للناس الحياة اليومية لفتاة نوبية في العاصة. فكّرت داليا أن تخرج إلى الحياة مرتدية ذلك الزي النوبي أو ما يطلق عليه «الجرجار» وتتباهى بجماله وسط شوارع القاهرة والجامعة ومكان العمل والسوق غير مكترثة لنظرات الناس، تخرج بكل فخر حتى وان كانت بعيدة عن أرض النوبة.
عرضت الفتاة فكرتها على المصورة ـ النوبية أيضًا – كوثر علي، فتحمست للفكرة وأضافت لها أبعادًا فنية. ساهم في المشروع طرف ثالث هو فريق «Nubian Knights»، المؤلف من شباب نوبيين، يسعون لنشر الثقافة النوبية، والفنون والعادات والتقاليد إضافة إلى تعريف الناس بأصول وقواعد اللهجة النوبية.
«أردنا من خلال المشروع إبراز حياة الفتاة النوبية خارج بلاد النوبة، وتقديم طريقة حياتها وملابسها وإكسسواراتها المصنوعة يدويًا إلى الناس» هكذا تقول المصورة كوثر علي لـ «السفير» مضيفةً: «النوبيات نجحن في تحقيق ذواتهن في القاهرة وأصبحن جزءا من المجتمع لكن هويتهن النوبية لم تذب وسط صخب الحياة في العاصمة».
تعود جذور كوثر إلى النوبة، لكنها ولدت في القاهرة، بدأت رحلة تعلم التصوير ثم احترافه منذ العام 2010، وشاركت في معارض تصوير عدة داخل مصر، ودائمًا ما يظهر تأثرها بالنوبة في صورها. «النوبة بالنسبة لكل نوبي هي جذور وثقافة وحياة كاملة». في مشروعها الأخير «نوبية في قاهرة المعزّ» تلتقط كوثر صورا لداليا في أماكن عدة مثل مترو الأنفاق، وسيلة المواصلات الأشهر في القاهرة، وداخله تجلس داليا بفستانها الأسود المزركش بالألوان، وأقراطها المميزة، والحقيبة القماشية ذات الألوان المبهجة. كل هذه التفاصيل صنعتها أياد ماهرة من أرض النوبة جنوب مصر.
تخرج داليا من مترو الأنفاق وتتوجه إلى مقهى «سيلانترو» الشهير، تقرأ كتابها أثناء احتساء القهوة. بعدها تخرج إلى الشارع تنظر إلى واجهات محال القاهرة. ثم تتوجه إلى إحدى المكتبات لشراء بعض الكتب. التقطت كاميرا كوثر صورا لداليا في السوبر ماركت، ومسجد الحاكم بأمر الله وأماكن أخرى.
على الرغم من بعض الصعوبات التى واجهتهما إلا أن تعاون بعض الناس مع كوثر وداليا فى الشارع شجعهما لمواصلة العمل بحماسة. ترى كوثر أن الصورة قادرة على نشر ثقافة الاختلاف والتنوع في المجتمع المصري، «الصورة وسيلة ناجحة حين يتعلق الأمر بتوصيل رسائل للناس، والمصور يشبه الكاتب، يستطيع أن يقول للناس الكثير عبر صوره».
على وسائل التواصل الاجتماعي تم الاحتفاء بالمشروع، وظهرت تعليقات إيجابية، كتبت مستخدمة على «فايسبوك»: «على الرغم من انني لست نوبية لكني أتمنى شراء فستان كهذا، جميل جدًا»، وكتب آخر «كل يوم أكتشف أشياء جديدة عن مصر وكأني غريب عنها، شكرا للقائمين على هذا المشروع لأنهم عرفونا أن البلد غنية بتنوعها».
وتبين شهادات وتقارير حقوقية عدة أن العنصرية ورفض الآخر أزمة يعاني منها بعض المصريين، لكن كثيرا ما تظهر مبادرات شبابية فنية وثقافية تهدف لعلاج هذا الأمر. و«نوبية في قاهرة المعز» واحدة من تلك المبادرات

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى