مازن الرفاعي: على مدينة البشر أن تقترب من مدينة الآلهة

محمد شرف
بالرغم من موقعها وأهميتها التاريخيين، لم تفز مدينة بعلبك بجوائز كثيرة. لا يعني هذا الأمر أن المدن، بشكل عام، يمكن أن تُمنح جوائز تبعاً لمنجزات معمارية عظيمة الشأن قام بها الأقدمون، إذا ما استثنينا، ومن ناحية مختلفة، إمكان إلحاق هذه المدن بلائحة «التراث العالمي» المحميّ من قبل «منظمة الأونيسكو». يتعلّق الأمر، هنا، بمشاريع إنمائية تهدف إلى تطوير المدينة وتحسين مرافقها، وهذا ما استطاع تحقيقه الأخوان البعلبكيان المهندسان مازن وماهر الرفاعي، من خلال المشروع الذي تقدّما به، وذلك بالتعاون مع «بلدية بعلبك» ورئيسها العميد حسين اللقيس، عبر مشاركتهما في الدورة الثالثة ليوم المدن العالمي التي أقيمت في طهران، وهو المشروع الذي نال جائزة الـ «غولدن أدوب»، لكونه يتضمّن مقترحات قيّمة ومفيدة من نواحٍ عدّة.
ما من شك في أن بعلبك، كمدينة ذات طابع معروف، تتمتع ببعض الخصوصيات التي تتشارك في جزء منها مع بعض المدن اللبنانية ذات التاريخ العريق، وذلك لناحية الأهمية التاريخية المذكورة آنفاً، بالإضافة إلى كونها مركز تفاعل حقيقي بين الإنسان والمكان التاريخي. لكنها، من ناحية أخرى، تتعرّض لمشكلات عدة، قد يكون أبرزها ذاك التمددّ العشوائي للمدينة بفعل الضغوط الديموغرافية والاقتصادية، التي جاءت نتيجة لنزوح عارم نحوها من القرى المحيطة بها. هذا الواقع أدّى إلى ازدياد في عدد السكان وإلى فوضى معمارية لم يقوَ التخطيط الضعيف، وحتى الغائب، على لجمها. وترافقت هذه الظواهر مع ازدحام بشري وزحمة مرور خانقة في وسط المدينة غير المؤهل لاستيعاب الكمّ الهائل من المركبات التي تعبره يومياً.
وجه جديد للمدينة القديمة
يقول مازن الرفاعي، الذي شارك سابقاً في أكثر من مشروع يهدف إلى حفظ تراث المدينة المعماري، «إن هناك مشروعاً زمنياً يهدف إلى ردم الهوّة بين تاريخ المكان ومتطلّبات الإنسان، فالدراسات ترمي، في المقام الأول، إلى إيجاد نوع من المصالحة مع الذاكرة، ومحاولة كسر الحاجز بين المدينة الأثرية ومدينة الإنسان». إذ من المعلوم أن العلاقة كانت قائمة دائماً ما بين سكان المدينة والموقع الأثري، لكن هذه العلاقة، وكما نلاحظ في الآونة الأخيرة، صارت علاقة محض مكانية، فآثار بعلبك ومعابدها، على خلودها وعظمتها، لا تطعم أهالي المدينة خبزهم اليومي. ويضيف الرفاعي: «إن المشاريع ترمي إلى إيجاد دينامية بين المدينتين تجعلهما تتفاعلان على قاعدة تطوّر أساسي ومحسوس، فلا تعود بعلبك البشر بعيدة من بعلبك الآلهة».
وفي ما يختص بالمشاريع المذكورة، فقد نُفّذ منها حتى الآن ثلاثة مشاريع، أوّلها السوق العائدة إلى نهاية القرن التاسع عشر، بأبنيتها التراثية التي من الواجب الحفاظ عليها. ويأتي مشروع طهران «تأهيل المدن»، كما يقول مازن الرفاعي، كنتيجة طبيعيّة للخطّة الاستراتيجيّة التي نقوم بها لتحرير المدينة القديمة، وترميم السوق التراثية القديمة وتحويلها إلى ساحة اقتصادية محاذية لمنطقة الهياكل، وذلك ضمن مشروع الإرث الثقافي. خطة العمل هذه أوحت بها المدينة القديمة من دون شك، إذ إننا في صدد منطقة تاريخية تعود أصولها إلى ما يقرب من ألفي عام، ولم يتمّ حتى الآن كشف جميع أسرارها، فأعمال التنقيب ما زالت على قدم وساق في بعض الأماكن المملوكة من مديرية الآثار، وقد نتجت منها مفاجآت عدة، إذ عُثر، مثلاً، في منطقة رأس العين، في الجزء الشرقي من المدينة، على معبد «نبتون» القائم على طول طريق رومانية تتصل بساحة المدينة.
اقتراحات لتنشيط السياحة
يمثّل تنشيط السياحة مسألة محورية في المشروع الذي تقدّم به الأخوان رفاعي، نظراً لأهمية هذا القطاع في تنشيط الدورة الاقتصادية في المدينة. من هذه الاقتراحات، أو التوجّهات، اعتبار وسط المدينة من ضمن حدود السور العربي الروماني، على أساس كونه النواة الأساسية لبعلبك على الصعيد الأثري، ووضع خطة لتحرير هذه المنطقة، بدأً من تخفيض عوامل الاستثمار فيها. إلى ذلك، العمل على رسم حدود المنطقة الأثرية بالتعاون مع منظمة الأونيسكو، وإجراء عملية توثيق شاملة للموروث العمراني في المدينة، وتصنيفها وفقاً لأنماطها المعمارية. من ناحية أخرى، التركيز على الربط البصري والوظيفي بين وسط المدينة والمنطقة الأثرية، من خلال خلق حزام سياحي في مواجهة المعابد، وإعادة النظر بعملية شق الطرقات، مع وضع دراسة لربط المعابد بعضها بالبعض الآخر، وتنظيم دخول السياح منها وإليها.
على هذا الأساس، لا بدّ من التوجه لتشجيع الامتدادات العمرانية خارج المنطقة الأثرية، وذلك في المنطقتين الشرقية والشمالية، لكونهما المنطقتين الأكثر قابلية لاستيعاب التمدد العمراني. في هذا المجال، لا بد أن نضيف، شخصياً، أن هذا التمدد حاصل في كل الأحوال ومنذ فترة زمنية غير قصيرة، نظراً لأن الوافدين الجدد إلى المدينة يقيمون مساكن لهم في هاتين الناحيتين، لكن هذا الأمر لا يتمّ بحسب تخطيط شامل ومدروس، بل بشكل عشوائي تمّت الإشارة إليه سابقاً. هذه المسألة، التي لم تغب عن ذهن الرفاعي، يجب اعتبارها جزءاً من الخطة الشاملة الهادفة إلى تطوير المدينة وتحسينها، فمدينة بعلبك تستحقّ هذا الاهتمام، وربما منذ زمن بعيد.
(السفير)