طالب الرفاعي: الخليج ليس مانح جوائز فقط

فطين عبيد

فازت رواية «في الهنا» للكاتب الكويتي طالب الرفاعي بجائزة الدولة، على هامش معرض الكويت للكتاب في دورته الحادية والأربعين. وكانت الرواية عينها تُرجمت أخيراً إلى اللغة الفرنسية عن دار «أكت سود». في هذه الرواية، يصل اشتغال الرفاعي على التخييل الذاتي إلى ذروته، إذ يحضر بشخصيته المعروفة واسمه الصريح، وتحضر معه زوجته وبناته أيضاً. ليس هذا فحسب، إنما يتناول في هذه الرواية قضية أخرى مسكوتاً عنها وهي المذهبية في الكويت. في هذا الحوار، يتحدث طالب الرفاعي عن روايته وجائزة الدولة، كما يتطرق إلى جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية التي أطلقتها الجامعة الأميركية في الكويت ويرأس مجلسها.
> حصدت روايتك «في الهُنا» جائزة الدولة، علماً أنّها رواية جريئة تعرّي العلاقات الاجتماعية الزائفة وتواجه المشكلة المذهبية بصراحة. فهل يمكن النظر إلى هذه الجائزة تقديراً لهذه الجرأة في مواجهة مشاكل المجتمع الكويتي وقضاياه الشائكة؟
– هذه فكرة رائعة أن تكون الجائزة تكريماً لعملٍ روائي يواجه مشاكل المجتمع وقضاياه الشائكة، لأن هذا يعني ضمناً قدرة الفن على التصدي لاعوجاج الممارسات الاجتماعية الخاطئة، وهذا يصبّ في صميم وظيفة الفن الاجتماعية. لكن، أياً كان المحرك، فمن المؤكد أن هذه الجائزة تسلّط مزيداً من الضوء على الرواية، وتصل بها إلى شرائح أكبر من القراء داخل الكويت وخارجها. وربما هذا ما يطمح إليه أي كاتب، عبر انعقاد صلة بينه وبين المتلقي.
> بعض الجوائز المهمة يأتي متأخراً. هل تعتقد أن جائزة الدولة جاءت في وقتها أم تأخرت قليلاً، لا سيما أنك تمارس الكتابة منذ ثلاثة عقود؟
– هذه الجائزة ليست جائزة الدولة الأولى التي أحصل عليها. لقد سبق أن حصلت على جائزة الدولة عام 2002 عن روايتي «رائحة البحر». لكنّ فوزي بجائزة الدولة هذه المرّة يعني لي الكثير، كأنّها جاءت في وقتها لتكون ردّاً بليغاً على كل التشويش واللغط الظالم اللذين مسَّا الرواية وحاولا النيل منها.
> غالباً، تُقابَل الروايات التي تتسم بالمواجهة والفضح والقسوة في معالجة قضايا المجتمع، بالتجاهل وأحياناً المنع من المؤسسة الرسمية، إلا أن روايتك تم تكريمها بجائزة مرموقة. فهل يجب الفصل بين مواجهة في سياق عميق وموضوعي، وهو ما مثلته روايتك، وبين مواجهة أخرى تأتي في سياق من المباشرة والتسطيح وتقصد الإثارة، كما هي الحال في روايات كويتية عدة؟
– إشارتكم الى أن الجائزة جاءت لتكريم «سياق عميق وموضوعي، لرواية تتسم بالمواجهة والفضح والقسوة في معالجة قضايا المجتمع» هي إشارة مهمة. لكن، ما هو مؤكد أن تكريم هذه الرواية، وللمناسبة هي في طبعتها الرابعة، إنما هو موقف دالّ من المؤسسة الثقافية الأولى في الكويت على أنّ تناول قضايا المجتمع المأزومة والخلافية سيكون موضوع تكريم متى استطاع أن يحقق شرطه الفني، ومتى كان قادراً على إقناع القارئ بعالمه الفني المتداخل مع عيش الواقع.
> تمضي رواياتك في ترسيخ تجربة الكتابة في سياق «التخييل الذاتي»، بمعنى أنك تحضر باسمك الصريح، غير أنّ هذا المنحى بلغ ذروته «في الهنا». ماذا بعد هذه الرواية من جديد؟
– لا أظنني أكشف سرّاً حين أقول إن الكتابة وفق مدرسة التخييل الذاتي، ونشر الحياة الحقيقية الخاصة للمؤلف، هي سير في حقل ألغام. فمن أين يأتي الكاتب بحق نشر شيء حميمي وحقيقي من حياة الآخر، الحبيب والصديق والضد، وكلاهما باسمه وشخصه الحقيقيين. قراءة الرواية تلصصٌ حلوٌ على حياة شخوصها وتجارب حياتهم. لكنّ هذا التلصص يتحول إلى أحكام قاسية وجائرة حين يتيقّن القارئ من أنك تكتب بشخصك الحقيقي. لذا الكتابة وفق مدرسة التخييل الذاتي باتت مأزقاً حياتياً فنياً عندي. فأنا من جهة مغرم بهذه الكتابة، وأنا في فمي ماء وكيف ينطق من كان في فمه ماء. لذا أخذت فسحة عابرة، خلال عملي طول السنة والنصف السنة الماضية في رواية جديدة سترى النور قريباً بعنوان «النجدي»، من دون أن أكون حاضراً فيها بأي شيء من سيرتي الذاتية.
> أنت تكتب الرواية والقصة القصيرة وقصصاً للفتيان، هل تشعر بفارق بين كتابة وأخرى؟
– مؤكد أن ثمة فارقاً كبيراً بين فن وآخر. كتابة الرواية تختلف عن جوهر كتابة القصة القصيرة، والكتابة للفتيان شأن ثالث. كتابة الرواية تمثل رحلة طويلة بينما يكون الكاتب أحد ركابها وشاهداً مشاركاً لكل ما يدور فيها. أما كتابة القصة القصيرة فمتعة رائقة أراها تشبه قهوة صباح. وأخيراً، أعتبر الكتابة للفتيان تحدياً كبيراً لا ينجح إلا حينما يصدّق الفتى أو الطفل ما تقوله ويُقبل عليه بمحبة واستحسان.
> تبنت الجامعة الأميركية في الكويت جائزة باسم الملتقى الذي تديره أنت في منزلك ويستضيف شخصيات أدبية واجتماعية ذائعة، عنوانها جائزة للقصة القصيرة العربية. هل يمكن الحديث عن هذه الجائزة؟
– كما تعلم، أكتب القصة القصيرة منذ نحو أربعين عاماً. وأنا حلمتُ كثيراً بأن أقدم شيئاً جديداً إلى القصة القصيرة العربية وكاتبها. لذا، فإنني عرضت فكرة الجائزة على أكثر من جهة، غير أنّ الرد كان دوماً «الفكرة رائعة لكننا نعتذر عن التمويل». ولم يختلف الأمر إلاّ مع الجامعة الأميركية في الكويت، التي أدرّس فيها مادة الكتابة الإبداعية منذ عام 2013. لقد أبدت مؤسسة ورئيسة مجلس أمناء الجامعة الشيخة دانة ناصر صباح الأحمد الصباح، ترحيباً بفكرة الجائزة، واستعداداً كريماً لتغطية تمويل الجائزة. وهكذا وقّعنا على مذكرة تفاهم بين الملتقى الثقافي الذي أمثله وبين الجامعة، ثمّ بدأت مسيرة الجائزة. شُكِّل مجلس أمناء الجائزة من داخل الكويت، وتالياً مجلس استشاري عربي عالمي. ونُظم مؤتمر في حرم الجامعة الأميركية في شهر أيلول (سبتمبر) الفائت، حيث تم الإعلان عن مولد الجائزة. وفي بداية عام 2016، فُتح باب الترشيح وتقدّمت إليها 198 مجموعة قصصية. وبشفافية عالية تليق بمؤسسة أكاديمية، أعلنت الجائزة عن أسماء السادة أعضاء لجنة التحكيم. هكذا أعلنت بعد فترة القائمة الطويلة وتالياً القائمة القصيرة، على أن يُعلن الفائز في 5 كانون الثاني (يناير)، حيث ستُقام احتفالية عربية عالمية كبيرة برعاية معالي الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، وزير شؤون الديوان الأميري، وسيُقام نشاط ثقافي يخص القصة القصيرة في حرم الجامعة الأميركية في اليوم التالي.
> لماذا الجامعة الأميركية في الكويت هي التي تبنت الجائزة التي ترأسها أنت وتشرف عليها، وليس مؤسسة رسمية معنية بالثقافة والأدب؟
– تعمل المؤسسة الرسمية، وأعني بها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وفق المرسوم الذي صدر بتأسيسه وحدد له أطر عمله. فيقدم المجلس جوائز سنوية تشجيعية وتقديرية للكويتيين، وهو بذلك كأي مؤسسة رسمية عربية. بينما تُخاطب جائزة الملتقى أي كاتب قصة قصيرة باللغة العربية حتى لو كان غير عربي. لذا أرى أن جائزة الملتقى تأتي لتكمل سلسلة جوائز المجلس الوطني، فالمجلس يكافئ المبدعين الكويتيين داخل الكويت، وجائزة الملتقى تلتف إلى المبدع العربي حيثما كان، ما يشكل تكاملاً محموداً لاسم الكويت.
> هل تعتقد أن الجائزة ستساهم في رد الاعتبار لفن القصة الذي طاوله التهميش في الأعوام الأخيرة، وتشجع الكتاب الشباب على كتابته؟
– أتمنى ذلك، وسأبقى مجتهداً ما أمكنني لتحقيقه.
> تُعدّ جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية وقيمتها المادية 20 ألف دولار، و5 آلاف دولار لكل قاص تضمه القائمة القصيرة، من الجوائز التي تنطلق مرة جديدة من الخليج. هل أصبح تخصص الخليج إنشاء الجوائز الأدبية الكبيرة؟
– يؤسفني أن ينظر بعضهم إلى الخليج بوصفه منجم جوائز فقط، علماً أن جوائز الخليج باتت تخلق جواً إبداعياً وثقافياً وإنسانياً رائعاً ومهماً ومؤثراً في المشهد الثقافي العربي. إضافة إلى أن مناسبات الجوائز تحولت الى مهرجانات ثقافية عربية بامتياز. الخليج ليس منطقة جوائز فقط، بل إنّ مبدعين كثيرين من الخليج أثبتوا أنفسهم في مجالات أدبية عدة من الرواية والقصة والشعر الى المسرح والسينما والتشكيل. وإذا كان يحلو لبعضهم التعامي عن الحقيقة، والنظر إلينا بوصفنا مانحي جوائز فهذا شأنه ومرضه.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى