فنان صيني يفرش بالموز أرض «آرت أبو ظبي» 2016

فاروق يوسف
لم أكن أتوقع أن تكون مفاجآت «أرت أبو ظبي» 2016 غير سارة من جهة صلتها بفنون ما بعد الحداثة، إلى درجة أن يقدم فنان صيني اسمه قو ديشين (1962) على إلقاء الآلاف من ثمار الموز على أرضية مستطيلة واسعة، مطمئناً إلى ردود أفعال الجمهور. كان عنوان ذلك العمل الذي يزعم منظمو السوق الفنية أنه عمل فني هو «البوابة» وهو كما أرى بوابة حقيقية لما شهدته دورة هذه السنة من «آرت أبو ظبي» من استمرار في تكريس مفاهيم خاطئة عن الفن بذريعة انتفاء الحاجة إلى الجمال وتبني الأفكار لإقامة علاقة تفاعلية بين الجمهور والفن. ولهذا سمحت إدارة السوق في بيان مكتوب للجمهور بتناول الموز وإلا فإنها ستكون مضطرة إلى ترحيله إلى حديقة الحيوان في أبو ظبي لكي تتفاعل الحيوانات هناك معه. بالنسبة للكثيرين ممن لا يزالون يأملون خيراً في الأسواق الفنية مثل «آرت دبي» و «آرت بيروت» وطبعاً «آرت أبو ظبي»، كانت رؤية ذلك العمل بمثابة صدمة غير متوقعة. لكن جولة سريعة بين الأعمال الكبيرة المنفذة بتمويل خاص من السوق تكشف أن بوابة قو ديشين، كانت أقلها سوءاً.
على سبيل المثل، هناك عمل كبير لفنان إسباني هو خافيير مسكارو، هو عبارة عن 26 منحوتة نفذها الفنان بالبرونز والحديد والنسيج. ولأن عنوان ذلك العمل هو «ترحال» فكانت المنحوتات عبارة عن قوارب مختلفة الحجوم، لا يحتاج الفنان إلى أن ينفذها بنفسه، وهو أمر صار شائعاً بين عدد كبير من الفنانين المعاصرين، لأن أعمالهم هي عبارة عن دمى، تنفذ في الصين. ولا يقوم الفنان سوى برسم مصغرات لها على الورق أو من خلال شاشة الحاسوب. ذلك لأن مفاهيم من نوع الأسلوب الشخصي واللمسة الفنية وحساسية الفنان وانفعاله ودرجة خيال يده لم تعد متداولة في عصر، رموزه جيف كونز ودامين هيرست وسواهما من رجال الأعمال الذين لا يملكون الوقت لإنتاج أعمالهم بأيديهم فلجأوا إلى إقامة مؤسسات فنية كبيرة، هي عبارة عن ورش لإنتاج أعمالهم التي صارت متاحف وقاعات فنية محددة تروج لها وتبيعها بملايين الدولارات، حتى أني رأيت إحدى «لوحات» هيرست معلقة في أحد فروع مطعم برغر كنغ في لندن.
كما هو واضح، فإن المشكلة عالمية. هناك هدر غير طبيعي للأموال في مسألة، مشكوك في استمرار قدرتها على جذب المستثمرين، بسبب ما تنطوي عليه من سطحية وسخرية من معنى الفن ووظيفته. غير أن أضرار تلك المسألة في الغرب تظل محصورة في إطار عروض تقدمها بعض المؤسسات الفنية وعدد ضئيل من الكليات والمعاهد الفنية. أي أنها ليست شاملة. هناك قاعات ومتاحف وجامعات ومعاهد ومؤسسات لا تزال وفية للمعنى الجوهري للفن، باعتباره نتاجاً جمالياً خالصاً، يرقى بذائقة الإنسان ويهذب قيمه وأخلاقه ويعمق معنى إنسانيته. لذلك فمن الصعب القول إن تبني تلك الاتجاهات هو محاولة للتماهي مع ما يشهده العالم من تحولات فنية. فنحن في العالم العربي لا نملك ما يملكه الغربيون بالذات من سعة وتنوع ووسائل ترويج وشفافية في مجالي العرض والطلب المتعلقين بالنتاج الفني. ليس في تاريخ المنطقة الثقافي ما يشير إلى قيام ما يؤكد ذلك. في الأصل لم تنشأ لدينا سوق فنية، واضحة المعالم. لذلك فإن الإنفاق على مشاريع عبثية ضخمة من نوع بوابة قو ديشين من شأنه أن يحدث خيبة أمل، لدى صالات العرض التي وإن حمل بعضها أردأ ما لديه من بضاعة فنية فإن أصحابها كانوا يأملون ببيع ما تكدس في مخازنهم من أعمال فنية في مدينة، يعرفون أنها لا تشكل واحدة من عواصم الفن في العالم.
هنا تكمن مشكلة أخرى من مشكلات آرت أبو ظبي. فباستثناء عدد قليل جدداً من القاعات الفنية التي حرص أصحابها على تقديم أعمال فنية أصيلة، كما فعل اللبنانيان صالح بركات (أجيال) ونادين بكداش (جنين ربيز) فإن الأعمال الفنية المعروضة لا ترقى إلى مستوى الإقبال الشعبي الكبير الذي حظيت به تلك السوق الفنية. هناك قدر من الاستخفاف بذائقة الجمهور الجمالية. وهو ما يشير إلى أن الشركة التي أدارت السوق، قيل لي أنها فرنسية ولست متأكداً من ذلك، لم تكن دقيقة في اختياراتها. تظاهرة كبيرة من نوع «آرت أبو ظبي» تستحق أن تُدار بطريقة احترافية، تستند إلى قدر كبير من الخبرة في مجال الفن والمعرفة الدقيقة بتحولاته. الخبرة في مجال الأعمال والاتصال والتسويق لا تكفي في مجال حساس مثل الفن.
(الحياة)